منه ولا يمنعه من ذلك نحو حياء. وعلى أن النهى عن الاستقبال والاستدبار إنما هو في الصحراء مع عدم الساتر، وهو يصلح دليلا لمن فرّق بين الصحراء والبنيان فأجاز في البنيان ومنع في الصحراء لأن قول ابن عمر إنما نهى عن ذلك في الفضاء يدلّ على أنه قد علم ذلك من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ويحتمل أنه قال ذلك استنادا إلى ما شاهده من جلوس النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بيت حفصة مستدبرا الكعبة كما في الحديث الآتى فكأنه فهم منه اختصاص النهى بالفضاء فلا يكون فهمه حجة ولا يصلح قوله للاستدلال به لأن الدليل إذا تطرّقه الاحمال لا يصلح للاستدلال
(من أخرج الحديث أيضا) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه والدارقطني والبيهقى والحاكم وقال صحيح على شرط البخارى، وفى نسخة على شرط مسلم، وقال الحازمى في كتاب الناسخ والمنسوخ هو حديث حسن. أقول يردّ هذا أن الحديث في سنده الحسن بن ذكوان وقد علمت أنه مطعون فيه طعنا بليغا لا تقوم به معه حجة ولا يقوى من أمره تخريج البخارى له فإنه ممن طعن على البخارى في التخريج له وقد ذكر الحافظ في المقدّمة وجه الطعن فيه ولم يجب عنه مع شدّة حرصه على الإجابة على الطعن، وإذاً فالحديث ضعيف لا تقوم به حجة
(باب الرخصة في ذلك)
أى في بيان ما ورد في التسهيل في استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة، والرخصة كغرفة جمعها رخص التسهيل في الأمر والتيسير يقال رخص الشرع لنا في كذا ترخيصا وأرخص إرخاصا إذا يسره وسهله
(ش) مطابقة الحديث للترجمة من حيث إنه دلّ على جواز استدبار الكعبة فيفهم منه جواز الاستقبال أيضا
(رجال الحديث)
(قوله مالك) بن أنس بن مالك بن أبى عامر بن عمرو بن الحارث أبو عبد الله المدنى الفقيه المحدّث أحد الأئمة الأعلام وإمام دار الهجرة رأس المتقين وكبير المثبتين، ولد سنة ثلاث وتسعين على الأشهر وأخذ عن تسعمائة شيخ فأكثر وما أفتى حتى شهد له سبعون إماما أنه أهل لذلك وكتب بيده مائة ألف حديث وجلس للدرس وهو ابن سبعة عشر عاما وكان مبالغا في تعظيم العلم إذا أراد أن يحدّث توضأ أو اغتسل وتطيب ولبس ثيابا جددا وجلس على منصته بخشوع وخضوع ووقار تعظيما للحديث حتى قيل إنه لدغته عقرب ست عشرة مرة فلم يقطع حديثه، وسأله جرير بن عبد الحميد