(قوله الرحمن الرحيم) أى المحسن بجميع النعم جليلها وصغيرها أو مريد الإحسان بها لمستحقها. وفي الإتيان بالرحمن الرحيم عقب اتصافه برب العالمين ترغيب بعد ترهيب وهو أعون للعبد على الطاعة وأمنع من المعصية
(قوله أثنى علي عبدي) حيث اعترف لي بعموم الإنعام على خلقي
(قوله مالك يوم الدين) أى يوم الجزاء بالثواب للطائعين والعقاب للعاصين وهو يوم القيامة. ومالك اسم فاعل صفة لله تعالى "ولا يقال" إن اسم الفاعل إضافته لفظية فلا تفيده التعريف فكيف توصف المعرفة بالنكرة "لأن" محلّ كون إضافته لفظية إذا كان للحال أو الاستقال فإن قصد به المضى أو الدوام كما هنا فإضافته حقيقية فتوصف به المعرفة. وقرئَ ملك من الملك بضم الميم وهو السلطان القاهر والاستيلاء الباهر والغلبة التامة والقدرة على التصرف الكل بالأمر والنهى. واختلف في أيّ القراءتين أبلغ فقيل ملك أعمّ وأبلغ من مالك إذ كل ملك مالك ولا عكس. ولأن أمر الملك نافذ على المالك في ملكة حتى لا يتصرّف المالك إلا عن تدبير الملك. وقيل مالك أبلغ لما فيه من زيادة الثناء الناشئ عن زيادة البناء فتدل على أكثرية الثواب. وخص يوم الدين بالذكر لأنه لا ملك ظاهر فيه لأحد إلا لله تعالى
(قوله مجدني عبدى) أى عظمنى وأثني على بصفات الجلال
(قوله إياك نعبد وإياك نستعين) أى لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا بك لأنك الحقيق بتلك الصفات العظام، وهذا ترق من البرهان إلى العيان ومن الغيبة إلى الحضور وهو تعليم من الله تعالى لعباده كيفية الترقى فإن العبد إذا ذكر الحقيق بالحمد عن قلب حاضر يجد من نفسه محركا للإقبال عليه وكلما أجرى على قلبه ولسانه صفة من تلك الصفات العظام قوى ذلك المحرّك إلى أن يؤول الأمر لخاتمة تلك الصفات فحيدئذ يوجب إقبال ذلك العبد على ربه وخالقه المتصف بتلك الصفات. فأول الكلام مبنيّ على حال العارف من الذكر والفكر والتأمل في أسمائه العظام والنظر في آلائه والاستدلال بصنعه على عظيم شأنه وباهر سلطانه ثم بعد ذلك أتى بمنتهاه وهو الخطاب والحضور المشعر بكونه في نهاية المراقبة والشهود وهو مقام الإحسان المشار له بقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حديث الصحيحين حين سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه. والضمير المستكن في نعبد ونستعين للقارئ. ومن معه من الحفظة وحاضري صلاة الجماعة. أو له ولسائر الموحدين أدرج عبادته في عبادتهم وخلط حاجته بحاجتهم لعل عبادته تقبل ببركة عباداتهم وحاجته يجاب إليها ببركة حاجاتهم. وكرّر الضمير للدلالة على تخصيصه تعالى بكل من العبادة والاستعانة والتلذذ بالمناجاة والخطاب وقدّم العبادة على الاستعانة لأنها وصلة لقضاء الحاجة فإذا أفرد العبد ربه بعبادته أعانه. وحذف المعمول من كلّ يؤذن بالعموم
(قوله فهذه بينى وبين عبدى) وفي رواية مالك فهذه الآية بينى وبين عبدى. وفي رواية مسلم هذا بيني وبين عبدى. وكانت بين الله عزّ وجلّ