وملكوا عليهم ملوكا وابتنوا بها المدائن واتصلت مساكنهم بدجلة والفرات. وقال أبو المنذر إن مدينة بابل كانت اثني عشر فرسخا في مثل ذلك وكان بابها مما يلي الكوفة وكان الفرات يجرى بها حتى صرفه بختنصر إلى موضعه الآن مخافة أن يهدم سور المدينة
(قوله يؤذنه) أى يعلمه من آذن بالمدّ ويؤذن فسقط في المضارع إحدى الهمزتين
(قوله فلما برز منها الخ) أى خرج من أرض بابل. وهو مرتب على مجذوف أى أن المؤذن جاء يؤذنه بالصلاة فأمره بالانتظار حتى يخرج منها فلما خرج أمر المؤذن فأقام الصلاة الخ
(قوله إنّ حبي) بكسر الحاء المهملة. وفي نسخة حبيبى يعني النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم
(قوله نهاني أن أصلى في المقبرة) بفتح الميم وقد تكسر وبتثليث الموحدة وهى المحلّ الذى يذفن فيه الموتى (وفي الحديث دلالة) على منع الصلاة في المقابر. وقد اختلف في ذلك فذهب أحمد وأصحابه إلى تحريم الصلاة فيها وعدم صحتها. ولم يفرق بين المنبوشة وغيرها ولا بين أن يفرش عليها شيء يقي من النجاسة أولا ولا بين أن يكون في القبور أو في مكان منفرد عنها كالبيت. وإلى ذلك ذهبت الظاهرية (قال) ابن حزم وبه قال طوائف من السلف فحكى عن خمسة من الصحابة النهي كما ذلك وهم عمر وعلي وأبو هريرة وأنس وابن عباس. وقال ما نعلم لهم مخالفا من الصحابة وحكاه عن جماعة من التابعين إبراهيم النخعى ونافع بن جبير بن مطعم وطاوس وعمرو بن دينار وخيثمة وغيرهم اهـ "وقوله" ما نعلم لهم مخالفا من الصحابة "إخبار" عن علمه وإلا فقد حكى الخطابي في معالم السنن عن عبد الله بن عمر أنه رخص في الصلاة في المقبرة. وحكي أيضا عن الحسن أنه صلى في المقبرة. وقد ذهب إلى تحريم الصلاة على القبر من أهل البيت المنصور بالله والهادوية وصرحوا بعدم صحتها إن وقعت فيها (وفرقت الشافعية) بين المقبرة المنبوشة وغيرها فقالوا إذا كانت منبوشة ومختلطة بلحم الموتى وصديدهم وما يخرج منهم لم تجز الصلاة فيها للنجاسة فإن صلى في مكان طاهر منها أجزأته. وإن كانت غير منبوشة جازت الصلاة مع الكراهة. وإن شك في نبشها ففيها قولان أصحهما تصح مع الكراهة (وذهب الثورى) والأوزاعي وأبو حنيفة إلى كراهة الصلاة في المقبرة ولم يفرقوا بين المنبوشة وغيرها (وذهبت المالكية) إلى جواز الصلاة في المقابر بدون كراهة. وتمسكوا بحديث جعلت لى الأرض طهورا ومسجدا المتقدم. وبما تقدم أيضا في رواية البخارى من قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصلّ وحملوا أحاديث النهى عن الصلاة في المقابر على ما إذا كان بها نجاسة (وردّ بأن) حديث جعلت لى الأرض طهورا ومسجدا ونحوه عامّ خصّ بأحاديث النهى عن الصلاة في المقبرة. وهى مطلقة لا دليل على تقييدها بما إذا كان بها نجاسة بل هى وغيرها في ذلك سواء
(قوله فإنها ملعونة) أى ملعون أهلها فوصف الأرض باللعنة باعتبار أهلها وذلك لما ذكره أهل التفسير في قوله تعالى "قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنيانهم من القواعد" من أن نمروذ بن كنعان كان أكبر