للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسلم في السنة الثامنة من عمره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كفله أبو طالب بوصية من عبد المطلب وأحسن كفالته، فإن لأبي طالب في كفالته اليمن والبركة له ولولده ولأهل بيته ودافع عنه حين هم القوم بعداوته.

ولما رغبت خديجة في التزوج منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذكر ذلك لأعمامه وخرج معه حمزة وكلم أباها فقبل وحضر رؤساء قريش وخطب أبو طالب فقال: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وضئضئ معدّ وعنصر مضر وجعلنا حضنة بيته وسوّاس حرمه وجعل لنا بيتًا محجوجًا وحرمًا آمنًا وجعلنا الحكام على الناس ثم إن ابن أخي هذا محمَّد بن عبد الله لا يوزن به أحد إلا رجح، فإن كان في المال قل فالمال ظل زائل وأمر حائل ومحمد من قد عرفتم قرابته وقد خطب خديجة بنت خويلد وقد بذل لها من الصداق ما عاجله وآجله من مالي كذا وكذا "روي أنه أصدقها اثنتى عشرة أوقية من ذهب" وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطب جليل اهـ

والقل بفم القاف القلة، والضئضئ والعنصر الأصل: ولما بعث صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قام بنصرته أبو طالب وذب عنه من عاداه ودافع عنه بنفسه ولسانه وأهل بيته. ولما اجتمعت قريش في السنة السابعة من البعثة وتعاهدوا علي مقاطعة بني هاشم وبني المطلب في البيع والشراء والنكاح وغيرها لنصرتهم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وكتبوا بذلك صحيفة وعلقوها في جوف الكعبة انحاز بنو هاشم وبنو المطلب إلى أبي طالب ودخلوا معه في شعبة ولما رأى أبو طالب ما أجمعوا عليه قال

ألا بلغا عني على ذات بيننا ... لؤيا وخصا من لؤي بني كعب

ألم تعلموا أنا وجدنا محمَّدًا ... نبيًا كموسى خط في اللوح والكتب

وأن عليه في العباد محبة ... ولا خير فيمن خصه الله بالخب (أي الخداع)

(إلى أن قال)

فلسنا ورب البيت نسلم أحمدًا ... لعزاء من عض الزمان ولا كرب

"وعزاء" بفتح العين وضمها وتشديد الزاي الممدودة "الداهية العظيمة" وقد اشتهرت الأخبار بمدافعته وذبه عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وتحمل الضرر لأجله وما أحسن قوله في ذلك

والله لن يصلوا إليك بجمعهم ... حتى أوسد في التراب دفينا

فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة ... وابشر وقر بذاك منك عيونًا

ودعوتني وعرفت أنك ناصحي ... ولقد صدقت وكنت ثم أمينًا

وعرضت دينًا قد عرفت بأنه ... من خير أديان البرية دينًا

لولا الملامة أو حذار مسبة ... لوجدتنى سمحًا بذاك مبينًا

<<  <  ج: ص:  >  >>