فقالوا قد شغله الله عنكم ببطنه ولم أكن شاكيًا فقاموا فلحقني منهم ناس بعد ما سرت بريدًا ليردّوني فقلت لهم هل لكم أن أعطيكم أو اقى من ذهب وتخلون سبيلي وتفون لي فتبعتهم إلى مكة فقلت لهم احفروا تحت أسكفة الباب فإن تحتها الأو اقي واذهبوا إلى فلانة فخذوا الحلتين وخرجت. حتى قدمت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قبل أن يتحوّل منها يعني قباء فلما رآني قال يا أبا يحيى ربح البيع ثلاثًا فقلت يا رسول الله ما سبقني إليك أحد وما أخبرك إلا جبريل. وفي رواية أخرى فنزلت عليه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ) فتلا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عليه الآية. روى عنه جابر وسعيد بن المجيب وابن أبي ليلى وجماعة. توفي سنة ثمان وثلاثين
(معنى الحديث)
(قوله فردّ إشارة) أي ردّ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم السلام عليّ بالإشارة لا باللفظ (وهذا) لا ينافي ما في الحديث السابق من تأخيره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ردّ السلام إلى ما بعد سلامه من الصلاة فإن هذا محمول على بيان الجواز والسابق محمول على الأفضل (وفي حديث الباب) دلالة على مشروعية سلام غير المصلى على المصلى من غيركراهة وفي أيضًا مشروعية ردّ المصلى السلام بالإشارة
(وقد اختلف) في كل منهما فقالت الشافعية والمالكية. يجوز ابتداء السلام على المصلى من غيركراهة وهو المعتمد عند المالكية وهو قول ابن عمر ومالك وأحمد
(قال النووي) وهو الذى تقتضيه الأحاديث الصحيحة. ويدلّ لهم حديث صهيب هذا فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أقرّ صهيبًا عليه ولم ينكر عليه
(وقالت) الحنفية يكره ابتداء السلام على المصلي وهو قول جابر وعطاء والشعبي وأبي مجلز وإسحاق بن راهويه وقول عند المالكية. ويدلّ لهم ما سيأتي للمصنف لا غرار في صلاة ولا تسليم
(وأما ردّ) المصلي السلام فقالت المالكية والشافعية والحنابلة يردّ بالإشارة وهو قول ابن عمر وابن عباس وإسحاق وهو المنقول عن أكثر العلماء
(واستدلوا) بحديث الباب فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أشار بيده (وبما رواه) أحمد والترمذي والمصنف عن ابن عمر قال قلت لبلال كيف كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يردّ عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو في الصلاة قال يشير بيده
(وقال أبو ذرّ) وعطاء والنخعي والثوري يستحب أن لا يردّ المصلى السلام إلا بعد الفراغ من الصلاة. واستدلوا بحديث ابن مسعود المتقدم وفيه فسلمت عليه فلم يردّ عليّ السلام فأخذني ما قدم وما حدث فلما قضى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الصلاة قال إن الله عَزَّ وَجَلَّ يحدث من أمره ما يشاء وإن الله تعالى قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة فردّ عليّ السلام
(واستدلوا) أيضًا بما سيذكره المصنف عن أبي هريرة لا غرار في صلاة ولا تسليم وبما رواه البزّار والدارقطني وسيأتي للمصنف عن أبي هريرة موفوعا التسبيح للرجال والتصفيق