بالنطق بالشهادتين فأخبرهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة. وفي هذا دلالة لمن قال إن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمر معاذًا أن يأمرهم أوّلًا بالإيمان فقط ثم بفروعه ورتب العمل بها على الإيمان بالفاء.
وأيضا الشرط في قوله إن أطاعوك فأعلمهم الخ يفهم منه أنه لو لم يطيعوه لا يجب عليهم شيء من الصلوات
(وقال) جماعة إنهم مخاطبون بفروع الشريعة ولا تصح منهم إلا بالاسلام
(وأجابوا) عن هذا الحديث بأن الترتيب في الدعوة لا يستلزم الترتيب في الوجوب. ألا ترى أنه رتب في الحديث الزكاة على الصلاة بالفاء مع أنه لا ترتيب بينما في الوجوب. فلا يلزم من عدم الاتيان بالصلاة إسقاط الزكاة. وبأن مفهوم الشرط مختلف في الاحتجاج به وتقدم تمام ذك: بـ ص ١٥٣
(قوله فإن هم أطاعوك لذلك) أي في الأمر بالصلاة وصلوا فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم الزكاة في أموالهم إذا توفرت شروطها
(قوله وتردّ في فقرائهم) أي إلى فقرائهم. واحتج به من قال إنه يكفي إعطاء الزكاة لصنف واحد من الأصناف الثمانية المذكورة في قول الله تعالى (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ ... الآية) ولا يلزم تعميم جميعهم بالإعطاء. ولكنه غير مسلم لاحتمال أن يكون ذكر الفقراء لكونهم أكثر من غيرهم
(قوله فإياك وكرائم أموالهم) أي أحذرك من أخذ النفيس من أموالهم. فالكرائم جمع كريمة وهي النفيسة. وقيل هي ما يؤثر صاحب المال نفسه بها. وقال في المطالع هي جامعة الكمال الممكن في حقها من غزارة لبن وجمال صورة وكثرة لحم. وحذره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من ذلك لأن الزكاة شرعت لمواساة الفقراء فلا يناسب فيها الإجحاف بمال الأغنياء إلا أن يعطوا ذلك عن طيب نفس فيجوز كما تقدم
(قوله واتق دعوة المظلوم) أي اجتنب الظلم فلا تأخذ ما لا حق لك في أخذه ولا تفعل مع أحد ما يضره لئلا يدعو عليك. ودعاؤه سريع الإجابة والقبول حيث إنه مظلوم. وذكره عقب المنع من أخذ أنفس الأموال إشارة إلى أن أخذها بغير رضا صاحب المال ظلم. وفيه تنبيه أيضًا على المنع من جميع أنواع الظلم فهو تذييل سيق للتنفير من مطلق الظلم الشامل لأخذ النفيس وغيره
(قوله فإنها ليس بينها وبين الله حجاب) تعليل للاتقاء. والمراد أنها مقبولة وليس لها مانع يمنعها من القبول. وإن كان الداعي عاصيًا فعصيانه على نفسه كما جاء في حديث أحمد عن أبي هريرة مرفوعًا "دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرًا ففجوره على نفسه" قال الحافظ في الفتح إسناده حسن. وليس المراد أن لله تعالى حجابًا يحجبه عن الناس لأنه من صفات الحوادث وهي مستحيلة عليه تعالى
(فقه الحديث) دل الحديث على أن أصل الدين الإقرار لله تعالى بالوحدانية وللنبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالرسالة. وعلى أن الصلوات الخمس فرض في كل يوم وليلة. وعلى أن الوتر والعيدين ليس بفرض وهو مجمع عليه. والقول بوجوب ما ذكر له دليل آخر تقدم بيانه