للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأدلة الواردة في ذلك وجوب الترتيب بين الأعضاء الأربعة المذكورة في آية الوضوء ولا سيما حديث جابر المتقدّم فإنه عام ولا يقصر على سببه عند جمهور الأصوليين كما تقدّم وآية الوضوء مندرجة تحت هذا العموم، وأما الترتيب فيما عداها فسنة يدلّ لذلك ما رواه أبو داود عن المقدام بن معد يكرب قال أتى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بوضوء فتوضأ فغسل كفيه ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا ثم غسل ذراعيه ثلاثا ثم مضمض واستنشق ثلاثا ثلاثا ثم مسح بأذيه ظاهرهما وباطنهما، فهو يدلّ على جواز تأخير المضمضة والاستنشاق عن غسل الوجه وأن تقديمهما عليه كما في حديث الباب للسنية لا للوجوب، وليس في حديث الباب ما يدلّ على وجوب النية والموالاة والدّلك، وفيها خلاف أيضا (أما النية) فذهبت المالكية والشافعية والعترة والليث وربيعة وإسحاق بن راهويه وأحمد إلى وجوبها في الوضوء والغسل كبقية العبادات واستدلوا بقوله تعالى "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين" قالوا الإخلاص هو النية لأنه عمل من أعمال القلب وهو مأمور به، ودلت الآية على أن كل مأمور به يجب أن يكون منويا والوضوء مأمور به فتجب فيه النية، وبحديث "إنما الأعمال بالنيات" أى صحتها بالنيات، وبأنها طهارة تتعدّى محلّ موجبها فافتقرت إلى النية كبقية العبادات "وذهبت" الحنفية والثورى والأوزاعي إلى عدم وجوب النية في الوضوء والغسل وقالوا في الحديث تقديره كمال الأعمال أو ثوابها بالنيات لأنه الذي يطرد فإن كثيرا من الأعمال يوجد ويعتبر شرعا بدونها، وقالوا أيضا يلزم من انتفاء الصحة انتفاء الثواب دون العكس فهو أولى، وقالوا إن إضمار الصحة يؤدّى إلى نسخ الكتاب بخبر الواحد وهو ممتنع (أقول) الراجح الأول لأن الصحة أكثر لزوما للحقيقة من الكمال فالحمل عليها أولى لأن ما كان ألزم للشئ كان أقرب إلى خطوره بالبال عند إطلاق اللفظ، وقولهم تقدير الثواب أولى فيه نظر لأن الأولى ما كان أكثر لزوما للحقيقة كما علمت وهو لا ينافي الثواب ودعواهم النسخ في الآية على تقدير الصحة غير مسلمة فإن الآية ليس فيها ذكر النية، والحديث أفاد وجوبها، والقرآن إذا لم يدلّ على وجوب شئ ودلت على وجوبه السنة لم يكن وجوبها ناسخا له وإن كان زائدا عليه، ولو كان كل ما أوجبته السنة ولم يوجبه القرآن نسخا لبطل كثير من الأحكام ألا ترى الطمأنينة وتعيين التكبير للدخول في الصلاة والتسليم للخروج منها وغيرها فهذه لم يدلّ عليها القرآن ودلت عليها السنة. على أن بعضهم استنبط من الآية وجوب النية في الوضوء فقال فيها إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضؤوا لأجلها "قال" ابن رشد وسبب اختلافهم فيها هو تردّد الوضوء بين أن يكون عبادة محضة أعنى غير معقولة المعنى وإنما يقصد بها القربة فقط كالصلاة وغيرها وبين أن يكون عبادة معقولة المعنى كغسل النجاسة فإنهم لا يختلفون في أن العبادة المحضة مفتقرة إلى النية. والعبادة المفهومة المعنى غير مفتقرة إلى النية. والوضوء فيه شبه من العبادتين

<<  <  ج: ص:  >  >>