للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جملة فعلية وقعت حالا وقرنت بقد لما هو مقرّر من أن الجملة الفعلية إذا وقعت حالا وكان فعلها ماضيا مثبتا لابدّ من قرنه بقد ظاهرة أو مقدرة نحو قوله تعالى (أو جاءوكم حصرت صدورهم) أى قد حصرت وذلك لأن الماضى من حيث إنه منقطع الوجود عن زمن الحال مناف للحال المتصف بالثبوت. فلا بدّ من قد ليقرب به من الحال فإن القريب من الشئ في حكمه، وجوّز بعضهم ترك قد مطلقا إذا وجدت الواو والأصح خلافه. وبهذا الحديث يردّ على من كره الاستنجاء بالماء، وعلى من نفى وقوعه من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم مستدلين بما رواه ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن حذيفة بن اليمان أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال إذاً لا يزال في يدى نتن، أى لو استنجيت بالماء لاستمر النتن في يدى، وعن نافع أن ابن عمر كان لا يستنجى بالما، وعن ابن الزبير قال ما كنا نفعله. ونقل ابن التين عن مالك أنه أنكر أن يكون النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم استنجى بالماء، وعن ابن حبيب من المالكية أنه منع الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم كذا في الفتح وغيره. قال الحطاب وهذان النقلان (يعنى ما عن مالك وابن حبيب) غريبان والمنقول عن ابن حبيب أنه منع الاستجمار مع وجود الماء بل لا أعرفهما في المذهب اهـ

(أقول) السنة تقضى على هذه الأقوال وتبطلها فقد تظاهرت الأحاديث على استنجاء النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالماء والأمر به (منها) حديث الباب (ومنها) ما رواه الحاكم عن ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في بيت ميمونة فوضعت وضوءا فقالت له ميمونة وضع لك عبد الله بن عباس وضوءا فقال اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل (ومنها) ما رواه مسلم لما عدّ الفطرة عشرة عدّ منها انتقاص الماء وفسر بالاستنجاء به (ومنها) ما رواه ابن حبان في صحيحه عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا قالت ما رأيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خرج من غائط قط إلا مسّ ماء

(فقه الحديث) دلّ الحديث على استحباب التباعد عند قضاء الحاجة عن الناس، وعلى طلب الاستتار عن أعين الناظرين، وعلى جواز استخدام الرجل الفاضل بعض أصحابه في حاجته، وعلى استحباب خدمة الصالحين وأهل الفضل والتبرك بذلك، وعلى جواز الاستعانة في أسباب الوضوء وعلى جواز اتخاذ آنية للوضوء كالإبريق وحمل الماء معه إلى محل قضاء الحاجة، وعلى مشروعية الاستنجاء بالماء ورجحانه على الاقتصار على الحجر (وقد) اختلف العلماء في هذه المسألة فالذى عليه الجمهور من السلف والخلف أن الأفضل أن يجمع بين الماء والحجر فيستعمل الحجر أولا لتخفيف النجاسة ثم يستعمل الماء فإن أراد الاقتصار على أحدهما فالماء أفضل لأصالته في التنقية ولإزالته العين والأثر وقد قيل إن الحجر أفضل ولا يخفى بعده، وقال ابن حبيب المالكي لا يجزئ الحجر

<<  <  ج: ص:  >  >>