الأدب والخشوع متدبرًا ما يتلى عليه ليعلمه الله بالرحمة والإحسان قال الله تعالى "وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون" وقال تعالى "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" وقال في التوراة "يا عبدي أما تستحي مني إذا يأتيك كتاب من بعض إخوانك وأنت في الطريق تمشي فتعدل على الطريق وتقعد لأجله وتقرأه وتتدبره حرفًا حرفًا حتى لا يفوتك منه شيء وهذا كتابي أنزلته إليك انظره كم فصلت لك فيه من القول وكم كررت فيه عليك لتتأمل طوله وعرضه ثم أنت معرض عنه أو كنت أهون عليك من بعض إخوانك؟ يا عبدي يقصد إليك بعض إخوانك فتقبل عليه بكل وجهك وتصغي إلى حديثه بكل قلبك فإن تكلم متكلم أو شغلك شاغل في حديثه أومأت إليه أن كف وها أنا مقبل عليك ومحدث لك وأنت معرض بقلبك عني أفجعلتني أهون عندك من بعض إخوانك؟ "اهـ
وأيضًا فإن شرب الدخان في ذاته حرم فضلًا عن حرمة تعاطيه في مجلس القرآن. ووجه حرمته أنه مضر بالصحة بأخبار الأطباء, ولا خلاف بين العلماء في تحريم تعاطي المضر. وأيضًا هو مؤذ لمن يتعاطاه خصوصًا في مجامع الصلاة ونحوها ومؤذ للملائكة. وقد روى الشيخان في صحيحهما عن جابر مرفوعًا "من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزلنا وليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته" ومعلوم أن رائحة الدخان ليست أقل من رائحة الثوم والبصل وفي الصحيحين عن جابر أيضًا "إن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الناس" وفي الطبراني في الأوسط عن أنس بإسناد حسن مرفوعًا "من آذى مسلمًا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله تعالى" وفي شرب الدخان إسراف وتبذير إذ ليس فيه نفع مباح خال عن الضرر بل فيه الضرر بأخبار أهل المعرفه كما علمت وحرمة ما فيه الإسراف أو الضرر ثابتة عقلًا وشرعًا
ولهذا أفتى كثيرًا من أكابر علماء المذاهب بتحريمه. فقد سئل عنه الشيخ مصطفى البولاقي المالكي بما نصه: ما قولكم دام فضلكم في فقيه دخل بيتنا فوجد فيه جماعة يقرءون القرآن ويشربون الدخان في مجلس القرآن فنهاهم عن شربه في هذه الحالة فامتثلوا وتابوا وحلفوا أن لا يعودوا لهذا الأمر فجاء رجل آخر يزعم أنه من علماء المالكية وسب الناهى واغتابه وكذبه وردهم جميعًا إلى شربه فهل الحق مع الأول؟ أفيدوا الجواب
(فأجاب) بقوله الحمد لله الدخان المشروب لا نص فيه للمتقدمين لعدم وجوده في زمانهم وإنما حدث بعد الألف, وكان حدوثه في مصر في زمن اللقاني والأجهوري فأفتى اللقاني بتحريمه ونسب ذلك للشيخ سالم السنهوري وألف في تحريمه وتبعه الخرشي وجماعات وعلل بتعاليل منها إضاعة المال بحرقه من غير فائدة وأفتى الأجهوري بعدم التحريم وألف في ذلك ورد على من قال بالتحريم وتبعه جماعات (من المغرمين بشربه) وأدلة التحريم أقوى (ولا وجه للقول بالحل) وكل هذا في غير المساجد والمحافل, وأما فيها فلا شك في التحريم لأن له رائحة كريهة وإنكارها عناد وقد ذكر في المجموع في باب الجمعة أنه يحرم تعاطى ما له رائحة