على غائب سوى النجاشي، فقد أخرح الواقدي في المغازي قال حدثني محمَّد بن صالح عن عاصم ابن عمر بن قتادة وحدثنى عبد الجبار بن عمار عن عبد الله بن أبي بكر قالا لما التقي الناس بمؤتة جلس رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على المنبر وكشف له ما بينه وبين الشام فهو ينظر إلى معتركهم فقال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: أخذ الراية زيد بن حارثة فمضى حتى استشهد وصلى عليه ودعا له وقال استغفروا له وقد دخل الجنة وهو يسعى. ثم أخذ الراية جعفر بن أبي طالب فمضى حتى استشهد فصلى عليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ودعا له وقال استغفروا له وقد دخل الجنة فهو يطير فيها حيث شاء.
قال النووي لو فتح باب هذا الخصوص لانسد كثير من ظواهر الشرع مع أنه لو كان شيء مما ذكروه لتوفرت الدواعي على نقله اهـ.
وقال ابن العربي قالت المالكية ليست الصلاة على الغائب إلا لمحمد: قلنا وما عمل به محمَّد تعمل به أمته "يعني لأن الأصل عدم الخصوصية" قالوا طويت له الأرض وأحضرت الجنازة بين يديه. قلنا إن ربنا عليه لقادر وإن نبينا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأهل ذلك، ولكن لا تقولوا إلا ما رويتم ولا تخترعوا حديثًا من عند أنفسكم ولا تحدثوا إلا بالثابتات ودعوا الضعاف فإنها سبيل إتلاف إلى ما ليس له تلاف اهـ.
إذا علمت هذا تعلم أن الراجح مشروعية الصلاة على الميت الغائب لثبوته بالأحاديث الصحيحة
(فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية الإخبار بموت الميت لكن محله إذا كان للصلاة عليه وتجهيزه ودفنه والدعاء له والاستغفار وتنفيذ وصاياه وما يترتب على ذلك من الأحكام.
"أما النعى" المنهي عنه فيما رواه الترمذي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إياكم والنعي فإن النعي عمل الجاهلية. وما رواه أحمد وابن ماجه عن حذيفة أنه قال إذا مت فلا تؤذنوا بي أحدًا إني أخاف أن يكون نعيًا إني سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ينهى عن النعي "فهو محمول" على ما كان مشتملًا على المفاخر والرياء مما يشبه نعي الجاهلية: كانوا يرسلون رجلًا على أبواب الدور وفي الأسواق يعلن موت فلان، وكانوا أيضًا إذا توفي رجل ركب أحدهم الدابة ثم صاح في الناس أنعى فلانًا ويخرج إلى القبائل ينعاه إليهم ويقول هلك فلان أو هلكت العرب بموت فلان. ومن هذا ما يقع في كثير من البلدان في زماننا إذا مات عظيم وقفوا على المنارات والأمكنة المرتفعة يخبرون بموته أو يرفعون أصواتهم. بالبكاء والنياحة أو يضربون بطبل أو يرسلون شخصًا إلى البلاد الأخرى يخبر أهلها بموته.
قال ابن العربي يؤخذ من مجموع الأحاديث (يعني حديث الباب وأشباهه) ثلاث حالات الأولى إعلام الأهل والأصحاب وأهل الصلاح فهذه سنة. الثانية دعوى الجمع الكثير للمفاخرة فهذه تكره. الثالثة إعلام بنوع آخر كالنياحة ونحو ذلك فهذا يحرم اهـ.