مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) ففيها ترتيب الكفر على الوصف المناسب المشعر بالعلية وهو السحر, وأجيب بأنا لا نسلم أن في الآية ذلك المعنى لأن المعنى أن الشياطين كفروا وهم مع ذلك يعلمون الناس السحر, وقيل إنهما حرامان وبه قطع الجمهور وقيل مكروهان وإليه ذهب البعض. وقيل مباحان, والتعليم المساق للذم هنا محمول على التعليم للإغراء والإضلال وإليه مال الإمام الرازي, والحق عندي الحرمة تبعًا للجمهور إلا لداع شرعي اهـ. ببعض تصرف
(وقال في الروضة الندية) لا شك أن من تعلم السحر بعد اسلامه كان بفعل السحر كافرًا مرتدًا وحده حد المرتد. وقد ورد في الساحر بخصوصه أن حده القتل "ولا يعارض" ذلك ترك النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قتل لبيد بن الأعصم الذي سحره "فقد يكون ذلك" قبل أن يثبت أن حدّ الساحر القتل وقد يكون ذلك لأجل خشيه معرّة اليهود, وقد كانوا أهل شوكة حتى أبادهم الله وفل شوكتهم وأقلهم وأذلهم وقد عمل الخلفاء الراشدون على قتل السحرة وشاع ذلك وذاع ولم ينكره أحد اهـ
(وفي حديثي عقبة اللذين في الباب) دلاله على أن المعوذتين من القرآن. وعن ابن مسعود أنه أنكر قرآنيتهما. فقد روى الإمام أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق صحيحه عنه أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول لا تخلطوا القرآن بما ليس منه: إنهما ليستا من كتاب الله تعالى وإنما أمر النبي صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم أن يتعوذ بهما, وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما. لكن يرده ما تقدم من الأحاديث وإجماع الصحابة على قرآنيتهما وإثباتهما في المصحف من غير نكير من أحد من عهد الصحابة فمن بعدهم. ويدل عليه أيضًا ما أخرجه الإمام أحمد والبخاري والنسائي وغيرهم عن زر بن حبيش قال أتيت المدينة فلقيت أبي بن كعب فقلت له يا أبا المنذر إني رأيت ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه, فقال أما والذي بعث محمَّدًا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالحق لقد سألت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عنهما وما سألني عنهما أحد منذ سألت غيرك فقال لي قل فقلت, قال فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(قال في روح المعاني) وبهذا الاختلاف قدح بعض الملحدين في إعجاز القرآن قال لو كانت بلاغة ذلك بلغت حد الإعجاز لتميز به عن غير القرآن فلم يختلف في كونه منه. وأنت تعلم أنه قد وقع الإجماع على قرآنيتهما, وقالوا إن إنكار ذلك اليوم كفر, ولعل ابن مسعود رجع عن ذلك. وفي شرح المواقف أن اختلاف الصحابة في بعض سور القرآن مروي بالآحاد المفيده للظن, ومجموع القرآن منقول بالتواتر المفيد لليقين الذي يضمحل الظن في مقابلته فتلك الآحاد مما لا يلتفت إليه "ثم" إن سلمنا اختلافهم فيما ذكر "قلنا" إنهم لم يختلفوا في نزوله على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولا في بلوغه في البلاغة حد الإعجاز, بل في مجرد كونه من القرآن وذلك لا يضر فيما نحن