البيان بأنّ العرب تتفاوت لغاتها، فإنه أشار بذلك إلى أن عديا لم يكن يعرف في لغته أنّ سواد الليل وبياض النهار يعبر عنهما بالخيط الأبيض والخيط الأسود. وقال الخطابي قوله إن وسادك إذا لعريض فيه قولان (أحدهما) يريد أن نومك إذا لكثير، وكنى بالوساد عن النوم إذ كان النائم يتوسده، أو يكون أراد أنّ ليلك إذا لطويل إذا كنت لا تمسك عن الأكل والشرب حتى يتبين لك سواد العقال من بياضه (والقول) الآخر أنه كنى بالوساد عن الموضع الذى يضعه من رأسه وعنقه على الوسادة إذا نام، والعرب تقول فلان عريض القفا إذا كانت فيه غباوة وغفلة، وقد روى هذا الحديث من طريق آخر أنه قال: إنك عريض القفا. والعرب تسمى بياض الصبح أول ما يبدو خيطا قال النابغة
فلما تبدت لنا سدفة ... ولاح من الصبح خيط أنارا اهـ
والسدفة عند قيس الضوء لكن قد علمت أن القرطبي رد القول الثانى
(قوله إنما هو الليل والنهار الخ) هذه رواية مسدّد، وأما رواية عثمان بنُ أبي شيبة فقد ذكرها بقوله "إنما هو سواد الليل وبياض النهار" أي إنما المراد بالخيط الأبيض في الآية بياض النهار وبالخيط الأسود سواد الليل والفرق بين الروايتين أن مسددا لم يذكر لفظ السواد والبياض وذكرهما عثمان بن أبي شيبة (وقد استدل) بالآية وأحاديث الباب على أنه يباح الأكل والشرب ونحوهما ليلة الصيام إلى ظهور الفجر الصادق وتبينه وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة. قال ابن المنذر وبه قال عمر بنُ الخطاب وابن عبَّاس وعلماء الأمصار وبه نقول. وروينا عن علىّ ابن أبي طالب أنه قال حين صلى الفجر: الآن حين تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود وذهب معمر وسلمان الأعمش والحكم بين عتيبة وأبو مجلز إلى جواز الأكل ما لم تطلع الشمس واستدلوا بما رواه الطحاوي من طريق عاصم بن بهدلة عن زرّ بن حبيش قال: تسحرت ثم انطلقت إلى المسجد فمررت بمنزل حذيفة فدخلت عليه فأمر بلقحة فحلبت وبقدر فسخنت ثم قال كل، فقلت إنى أريد الصوم، قال وأنا أريد الصوم، قال فأكلنا ثم شربنا ثم أتينا المسجد فأقيمت الصلاة قال هكذا فعل بي رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، أوصنعت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. قلت بعد الصبح؟ قال بعد الصبح غير أن الشمس لم تطلع وروى سعيد بنُ منصور عن أبي الأحوص عن عاصم عن زرّ عن حذيفة قال: تسحرنا مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم هو والله النهار غير أن الشمس لم تطلع (والراجح) ما ذهب إليه الجمهور لاتفاق الأئمة الأربعة عليه ولأنه الثابت في الأحاديث الصحيحة الكثيرة في الصحيحين وغيرهما. وما استدل به هؤلاء لا يقوى على معارضة الأحاديث الصحيحة. ولو شك هل طلع الفجر؟ يجوز له الأكل والشرب وغيرهما حتى يتحقق الفجر تمسكا بظاهر الآية والأحاديث