ثيابهم لئلا يسرع إليها البلى من كثرة مماسة الماء ولئلا يصيبهم الضرر من كثرة الاغتسال فلو كان الإيلاج بلا إنزال موجبا للغسل في ذلك الزمان لتحرّج أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولوقعوا في المشقة العظيمة وشريعتنا تأبى ذلك حيث قال الله تعالى "وما جعل عليكم في الدين من حرج" وفي بعض الروايات لقلة الثبات بدل الثياب فيكون معناه أن الناس كانوا في أوائل الإسلام ضعفاء الإيمان قليلى الاستقامة والثبات في أمور الدين فخفف الله تعالى عنهم رحمة بهم وترغيبا لهم في الإسلام والثبات عليه ولعلّ أبيا قال ذلك ردًّا على من سمعه يقول إن الإكسال لا يوجب الغسل لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الماء من الماء
(قوله ثم أمر بالغسل الخ) أى أمر النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بالغسل من التقاء الختانين وإن لم يحصل إنزال ونهى عن ترك الغسل عند عدم الإنزال
(قوله قال أبو داود يعنى الخ) أى يقصد أبى بن كعب أن المشار إليه في قوله إنما جعل ذلك هو الماء من الماء والماء الأول ماء الغسل والماء الثاني المنىّ أى أن إيجاب الغسل إنما يكون بإنزال المنىّ فأل فيهما للعهد الذهني (والحديث) يدلّ على أن الجماع موجب للغسل مطلقا حصل إنزال أم لا (وقد اختلف) العلماء في ذلك فذهبت طائفة من الصحابة والتابعين إلى أن الجماع بدون إنزال ليس موجبا للغسل منهم أبو أيوب الأنصارى وأبو سعيد الخدرى وابن مسعود وسعد بن أبى وقاص وأبيّ بن كعب ورافع بن خديج وزيد بن خالد وهو قول عطاء بن أبى رباح وأبي سلمة وسليمان الأعمش والظاهرية، واستدلوا بأحاديث (منها) ما رواه مسلم عن أبى سعيد الخدرى قال خرجت مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يوم الاثنين إلى قباء حتى إذا كنا في بني سالم وقف رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على باب عتبان فصرخ به فخرج يجرّ إزاره فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أعجلنا الرجل فقال عتبان أرأيت الرجل يعجل عن امرأته ولم يمن ماذا عليه فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إنما الماء من الماء، وقالوا إن التنصيص على الشئ باسمه العلم يوجب نفى الحكم عما عداه (ومنها) ما رواه البخارى بسنده إلى يحيى بن أبى كثير قال أخبرنى أبو سلمة أن عطاء بن يسار أخبره أن زيد بن خالد الجهنى أخبره أنه سأل عثمان بن عفان فقال أرأيت إذا جامع الرجل امرأته فلم يمن قال عثمان يتوضأ كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره قال عثمان سمعته من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فسألت عن ذلك علىّ بن أبى طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وأبىّ بن كعب فأمروه بذلك (ومنها) حديث أبى هريرة قال بعث رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى رجل من الأنصار فأبطأ فقال ما حبسك قال كنت أصبت من أهلى فلما جاءني رسولك اغتسلت من غير أن أحدث شيئا فقال