للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في الصوم لأنه كان مشتغلا بمصالح المسلمين وحقوق العباد ولئلا يقتدى به كان أحد فيتضرر بعضهم اهـ وقد كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يترك بعض النوافل خوفا من أن يفرض على أمته إذا فعلوها اقتداء به كما ترك المواظبة على قيام شهر رمضان, وقال خشيت أن يكتب عليكم ثم لا تقومون

(قوله فلما رأى ذلك عمر الخ) أي لما رأى غضبه صلى الله تعالى وعلى آله وسلم من السائل وخاف أن يدعو عليه, قال عمر استرضاء له صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: رضينا بالله ربا أي بقضائه, وبالإسلام دينا أي بأحكامه, وبمحمد نبيا أي بمتابعته. وكرر ذلك عمر رضي الله تعالى عنه حتى زال عنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الغضب

(قوله نعوذ بالله من غضب الله ومن غضب رسوله الخ) وفي نسخة وغضب رسوله. أي أتحصن بالله من ارتكاب المخالفات التي يترتب عليها غضب الله وعذابه وانتقامه وغضب رسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم

(قوله فقال يا رسول الله كيف بمن يصوم الدهر كله) أي قال عمر كما صرح به في رواية مسلم كيف حال من يصوم جميع الدهر أهو محمود أم مذموم؟ فانظر حسن أدبه رضي الله تعالى عنه حيث بدأ بالتعظيم ثم سأل على وجه التعميم

(قوله لا صام ولا أفطر) أي لا صام صوما فيه كمال الفضيلة, ولا أفطر فطرا يمنع جوعه وعطشه وفي رواية الصحيحين "لا صام من صام الأبد" وقال الخطابي معناه لم يصم ولم يفطر كقوله تعالى {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} أي لم يصدق ولم يصل اهـ وهذا إخبار منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم بأنه لم يحصل له أجر الصوم لمخالفته, ولم يفطر لأنه أمسك عن الأكل والشرب قال في شرح السنة: وذلك لأنه إذا اعتاد الصوم لم يجد مشقة يتعلق بها مزيد الثواب, فكأنه لم يصم وحيث لم ينل راحة المفطرين ولذتهم فكأنه لم يفطر اهـ ويحتمل أنه دعاء منه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على من فعل ذلك كراهة لفعله وزجرا له عن ذلك

(قوله شك غيلان) أي تردد غيلان بن جرير أقال النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: لم يصم ولم يفطر, أم قال: ما صام ولا أفطر؟ والظاهر أن الشك إنما هو في رواية مسدد لا في رواية سليمان بن حرب (وبظاهر الحديث) استدل إسحاق وأهل الظاهر وابن العربي من المالكية على كراهة صوم الدهر. وهو رواية عن أحمد. وقال ابن حزم يحرم صوم الدهر مستدلا بما رواه أحمد وابن حبان وابن خزيمة والبيهقي عن أبي موسى أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال "من صام الدهر ضيقت عليه جهنم هكذا وقبض كفه" فإن ظاهره أنها تضيق عليه لتشديده على نفسه وحمله عليها ورغبته عن سنة نبيه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم واعتقاده أن غيرها أفضل. وهذا وعيد شديد فيكون حراما (وذهب أكثر أهل العلم) إلي جواز صيام الدهر غير الأيام المنهي عنها. وهو المنقول عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبي طلحة الأنصاري وعائشة وكثير من الصحابة, لما رواه أحمد

<<  <  ج: ص:  >  >>