للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قليل يعفى عن مثله هكذا قال أصحابنا ولا بدّ منه، وأنكر الخطابي على من استدل بهذا الحديث مع سيلان الدماء على ثيابه وبدنه (ويجاب) عنه بما ذكرنا وأحسن ما أعتقده في المسألة أن الأصل أن لا نقض حتى يثبت بالشرع ولم يثبت، والقياس ممتنع في هذا الباب لأن علة النقض غير معقولة اهـ (وقال) في النيل الواجب البقاء على البراءة الأصلية المعتضدة بهذه الكلية المستفادة من هذا الحديث فلا يصار إلى القول بأن الدم نافض إلا لدليل ناهض، والجزم بالوجوب قبل صحة المستند كالجزم بالتحريم قبل صحة الناقل والكل من التقوّل على الله بما لم يقل، ومن المؤيدات لما ذكرنا حديث أن عباد بن بشر أصيب بسهام وهو يصلى فاستمرّ في صلاته عند البخارى تعليقا وأبى داود وابن خزيمة، ويبعد أن لا يطلع النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم على مثل هذه الواقعة العظيمة ولم ينقل أنه أخبره بأن صلاته قد بطلت اهـ (قال) ابن تيمية وقد صح عن جماعة من الصحابة ترك الوضوء من يسير الدم ويحمل حديث أنس عليه وما قبله على الكثير الفاحش كمذهب أحمد ومن وافقه جمعا بينهما اهـ ويعنى بحديث أنس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم احتجم وصلى ولم يتوضأ ولم يزد على غسل محاجمه، وبما قبله حديث من أصابه قيء أو رعاف أو قلس أو مذى الخ ويؤيد هذا الجمع ما أخرجه الدارقطنى من حديث أبى هريرة مرفوعا ليس في القطرة ولا في القطرتين من الدم وضوء إلا أن يكون دما سائلا لكن فيه محمد بن الفضل بن عطية وهو متروك (قال) الحافظ وإسناده ضعيف ويؤيده أيضا ما روى عن ابن عمر عند الشافعى وابن أبى شيبة والبيهقي أنه عصر بثرة في وجهه فخرج شيء من دمه فحكة بين أصبعيه ثم صلى ولم يتوضأ رواه البخارى تعليقا "والبثرة بفتح الموحدة وسكون المثلثة ويجوز فتحها خرّاج صغير" ومثل الدم في الخلاف القيء والقلس (فذهبت) المالكية والشافعية إلى أنهما غير ناقضين مطلقا (وقالت) الحنابلة ينقض كثير القيء لا القلس مطلقا (وقالت) الحنفية ما ملأ الفم منهما ناقض وما لا يملؤه لا ينقض، ومال ابن حزم إلى عدم نقض الوضوء بشئ مما ذكر وبالغ في الرد على من قال بالنقض بشئ منهما مطلقا (والحاصل) أن القول بعدم نقض الوضوء بخروج الدم من غير السبيلين أقوى من جهة الدليل لا فرق بين كون الدم قليلا أو كثيرا سائلا أم لا وهذا لا ينافي أن الأحوط مراعات القول بالنقض

(فقه الحديث) دلّ الحديث على أن أصحاب رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم جاهدوا لنصرة الدين جهادا كبيرا وتحملوا من أجل ذلك مصاعب لا يقدر عليها غيرهم، وعلى أنه يطلب الأخذ في أسباب الحفظ من العدوّ بكل ما يقدر عليه وهو لا ينافي التوكل، وعلى أنه يطلب من الرئيس أن يعمل على ما فيه المصلحة له ولأتباعه، وعلى أنه يطلب من الأتباع المبادرة إلى ما ندبهم إليه الرئيس من المصالح ولو كان فيه مشقة على النفوس، وعلى أن الأعمال

<<  <  ج: ص:  >  >>