للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو مشهد يقصده المصلون في أوقات الصلاة يصنعون فيه ما ذكر أو بعضه، ولا يسع عقل عاقل أن منكرًا يبلغ إلى ما ذكرت من الشناعة والقباحة ويسكت عليه علماء الإِسلام الذين ثبتت لهم الوطأة في جميع جهات الدنيا

"قلت" إن أردت الإنصاف، وتركت متابعة الأسلاف، وعرفت أن الحق ما قام عليه الدليل لا ما اتفق عليه العوالم جيلًا بعد جيل وقبيلًا بعد قبيل، فاعلم أن هذه الأمور التي ندندن حول إنكارها، ونسعى في هدم منارها، صادرة عن العامة الذين إسلامهم تقليد الآباء بلا دليل، ومتابعتهم لهم من غير فرق بين دنيّ ومثيل: ينشأ الواحد فيهم فيجد أهل قريته وأصحاب بلدته يلقنونه في الطفولية أن يهتف باسم من يعتقدون فيه ويراهم ينذرون له ويعظمونه ويرحلون به إلى محل قبره ويلطخونه بترابه ويطوفون به على قبره فينشأ وقد قر في قلبه عظمة ما يعظمونه، وقد صار أعظم الأشياء عنده من يعتقدونه، فنشأ على هذا الصغير وشاخ عليه الكبير، ولا يسمعون من أحد إنكارًا عليهم، بل ترى من يتسم بالعلم ويدعي الفضل وبنتصب للقضاء أو الفتيا أو التدريس أو الولاية والمعرفة أو الإمارة والحكومة معظمًا لما يعظمونه، مكرمًا لما يكرمونه، قابضًا للنذور، آكلًا ما ينحر على القبور، فيظن أن هذا دين الإِسلام، وأنه رأس الدين والسنام، ولا يخفى على أحد يتأهل للنظر ويعرف بارقة من علم الكتاب والسنة والأثر، أن سكوت العالم أو العالم على وقوع منكر ليس دليلًا على جواز ذلك المنكر.

ولنضرب لك مثلًا من ذلك، وهي هذه المكوس المسماة بالمجابي المعلوم من ضرورة الدين تحريمها قد ملأت الديار والبقاع وصارت أمرًا مأنوسًا لا يلج إنكارها إلى سمع من الأسماع، وقد امتدت أيدى المكاسين في أشرف البقاع في مكة أم القرى، يقبضونها من القاصدين لأداء فريضة الإِسلام ويرتكبون في البلد الحرام كل فعل حرام، وسكانها من فضلاء الأنام، والعلماء والحكام ساكتون عن الإنكار معرضون عن بيان أنها ظلم وعدوان، أفيكون السكوت من العلماء بل من العالم دليلًا على جوازها وأخذها؟ هذا لا يقوله من له أدنى إدراك.

بل أضرب لك مثلًا آخر: هذا حرم الله الذي هو أفضل بقاع الدنيا باتفاق وإجماع العلماء. أحدث فيه بعض ملوك الشراكسة الجهلة الضلال هذه المقامات الأربعة التي فرقت عبادة العباد، واشتملت على ما لا يحصيه إلا الله عَزَّ وَجَلَّ من الفساد، وفرقت عبادات المسلمين وصيرتهم كالملل المختلفة في الدين. بدعة قرت بها عين إبليس اللعين، وصيرت المسلمين ضحكة للشياطين، وقد سكت الناس عليها ووفد الآفاق والأقطار إليها، وشاهدها كل ذى عينين، وسمع بها كل ذي أذنين. أفهذا السكوت دليل على جوازها؟ هذا لا يقوله من له إلمام بشيء من المعارف. وكذلك سكوتهم على هذه الأشياء الصادرة من القبوريين

(فإن قلت) يلزم من هذا أن الأمة قد اجتمعت على ضلالة حيث سكتت عن إنكارها لأعظم جهالة

(قلت) الإجماع حقيقته اتفاق مجتهدي أمة محمَّد صلى الله تعالى عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>