للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان قبله من الأنبياء وليس كذلك بل المراد أن هذا الوقت الموسع المحدود بطرفين الأول والآخر كان مثله وقتا للأنبياء قبلك فصلاتهم كانت واسعة الوقت وذات طرفين وإلا فلم تكن هذه الصلوات على هذا الميقات إلا لهذه الأمة خاصة وإن كان غيرهم قد شاركهم في بعضها لأن ما عدا العشاء كان مفرقا فيهم لما أخرجه المصنف وابن أبى شيبة في مصنفه والبيهقى في سننه عن معاذ بن جبل قال أخر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم صلاة العتمة ليلة حتى ظنّ الظانّ أنه قد صلى ثم خرج فقال أعتموا بهذه الصلاة فإنكم فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم، ولما أخرجه الطحاوى عن عبيد الله بن محمد عن عائشة أن آدم لما تيب عليه عند الفجر صلى ركعتين فصارت الصبح. وفدى إسحاق عند الظهر فصلى أربع ركعات فصارت الظهر. وبعث عزيز فقيل له كم ليلة لبثت قال يوما فرأى الشمس فقال أو بعض يوم فصلى أربع ركعات فصارت العصر وغفر لداود عند المغرب فقام فصلى أربع ركعات فجهد في الثالثة "أى تعب فيها عن الإتيان بالرابعة" لشدّة ما حصل له من البكاء على ما اقترفه مما هو خلاف الأولى به فصارت المغرب ثلاثا، وأول من صلى العشاء الآخرة نبينا محمد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وبهذا) يندفع قول البيضاوى توفيقا بين هذا وبين خبر أبى داود وغيره المذكور في العشاء إن العشاء كانت الرسل تصليها نافلة لهم ولم تكتب على أممهم كالتهجد فإنه وجب على نبينا صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ولم يجب علينا (قال) ابن حجر يحتمل أن اسم الإشارة في حديث الباب راجع إلى وقت الإسفار فإنه قد اشترك فيه جميع الأنبياء الماضية والأمم الدارجة

(قوله والوقت ما بين هذين الوقتين) أى وقتى اليوم الأول واليوم الثانى الذى أمّ جبريل فيهما النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "فإن قيل" هذا يقتضى أن لا يكون الأول والآخر وقتا "قيل" لما صلى في أول الوقت وآخره وجد البيان بالفعل وبقى الاحتياج إلى بيان ما بين الأول والآخر فبين بالقول أن هذا بيان للوقت المستحب إذ الأداء في أول الوقت مما يتعسر على الناس ويؤدى أيضا إلى تقليل الجماعة وفى التأخير إلى آخر الوقت خشية الفوات فكان المستحب ما بينهما لقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم خير الأمور أوساطها

(فقه الحديث) والحديث يدلّ على عظيم الاهتمام بأمر الصلوات الخمس ومزيد قدرها حيث أرسل الله سبحانه وتعالى جبريل عليه السلام لبيان كيفيتها وأوقاتها بالفعل ولم يكتف بالقول كسائر الأحكام وفعل ذلك مرّتين في يومين فهذا أكبر برهان على أن الصلاة أصل كل خير وفقنا الله عزّ وجلّ جميعا لأدائها على الوجه الذي يرضيه ونعوذ به تعالى ممن يفرّط في أدائها فإنه لا عقل له ولا دين وأقام الدليل على أنه خسر الدنيا والآخرة. ويدلّ الحديث أيضا على أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليس مشرّعا من قبل نفسه، وعلى أن العبادة مقصورة على الوارد عن الله تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>