أخرج صحيفة وجعل ينظر إليها وإلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ثم قال هو والله خاتم النبيين ثم قال يا عبد المطلب هذا رمد قال نعم قال إن دواءه معه خذ من ريقه وضعه على عينيه فأخذ عبد المطلب من ريقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ووضعه على عينيه فبرئ لوقته.
ثم قال الراهب يا عبد المطلب وتالله هذا الذي أقسم على الله به فأبرئ المرضى وأشفي الأعين من الرمد.
ومنها ما رواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي أن سيف بن ذي يزن الحميري لما ولي على الحبشة بعد مولد رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلي آله وسلم بسنتين أتاه وفود العرب للتهنئة وكان من جملتهم وفد قريش وفيهم عبد المطلب فقام خطيبًا بين يدي الملك فقال الملك من أنت أيها المتكلم؟ قال عبد المطلب بن هاشم قال ابن أختنا ومرحبا وأهلًا ولكم الكرامة والعطاء وأقامهم عنده شهرًا. ثم أرسل إلى عبد المطلب وقال له يا عبد المطلب إني مفض إليك من سرّ علم لو غيرك يكون لم نبح له به، ولكن رأيتك معدنه فأطلعتلك طلعة "أي عليه" فليكن عندك مخبأ حتى يأذن الله عَزَّ وَجَلَّ فيه: إني أجد في الكتاب المكنون والعلم المخزون الذي ادّخرناه لأنفسنا واحتجبناه دون غيرنا خيرًا عظيمًا وخطرًا جسيما فيه شرف الحياة وفضيلة الوفاة للناس عامة ولرهطك كافة ولك خاصة فقال له عبد المطلب مثلك أيها الملك سرّ وبرّ فما هو؟ فداك أهل الوبر زمرًا بعد زمر. قال إذا ولد غلام بتهامة بين كتفيه شامة كانت له الإمامة ولكم به الزعامة إلى يوم القيامة. فقال له عبد المطلب أيها الملك أبت بخير آب بمثله وافد قوم ولولا هيبة الملك وإعظامه لسألته مما أزداد به سرورًا. فقال له الملك هذا حينه الذي يولد فيه أو قد ولد اسمه محمَّد يموت أبوه وأمه ويكفله جده وعمه. قد وجدناه مرارًا، والله باعثه جهارًا، وجاعل له منا أنصارًا يعزّ بهم أولياءه. ويذل بهم أعداءه، ويضرب بهم الناس جميعًا. ويستفتح بهم كرائم الأرض يعبد الرحمن، ويدحض الشيطان ويخمد النيران ويكسر الأوثان قوله فصل وحكمه عدل يأمر بالمعروف ويفعله وينهى عن المنكر ويبطله اهـ
(إذا علمت هذا) تعلم أن آباءه صلى الله عليه وآله وسلم ناجون إما لأنهم كانوا على الملة القديمة ملة إبراهيم عليه السلام وإما لأنهم من أهل الفترة الذين لم يغيروا ولم يبدلوا.
فإن أهل الفترة أقسام ثلاثة. الأول من عرف الله ببصيرته وعقله فوحده بعبادته ولم يعبد الأوثان. الثاني من لم يشرك ولم يوحد ولا دخل في شريعة نبي من الأنبياء ولا ابتكر لنفسه شريعة ولا اخترع دينًا بل بقي مدة عمره على غفلته وهذان القسمان غير معذبين. الثالث من غير وبدل وأشرك وشرع لنفسه وحرم وحلل وهذا هو المعذب في النار.
وهو محمل ما ورد من الأحاديث الدالة على تعذيب بعض أهل الفترة كحديث البخاريُّ ومسلم عن أبي هريرة رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار "أي أمعاءه" وكحديث مسلم رأيت صاحب المحجن في النار وصاحب المحجن هو الذي كان يسرق الحاج بمحجنه فإذا رآه أحد قال إنما تعلق بمحجني وإن