للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية له أيضا قال رأيت أبا هريرة ومرّ رجل في المسجد بعد النداء حتى قطعه. وفي رواية ابن ماجة فأذن المؤذن فقام رجل من المسجد يمشى فأتبعة أبو هريرة بصره فقال أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وآله وسلم. وهو مقابل لمحذوف لأن أما للتفصيل تقتضى شيئين فصاعدا فكأنه قال أما من ثبت في المسجد حتى صلى فقد أطاع أبا القاسم صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وأما هذا فقد عصاه (وظاهره) يدل على تحريم الخروج من المسجد بعد الأذان لأنه وإن كان موقوفا لكنه في حكم المرفوع إذ مثل هذا لا يقال من قبل الرأى بل لا يعرف إلا من النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (وإلى) تحريم الخروج من المسجد بعد الأذان ذهبت الحنابلة (وقالت) المالكية بالكراهة عقب الأذان وقبل الإقامة ويحرم بعدها (وذهبت) الحنفية والشافعية إلى الكراهة أيضا (قال) ابن الهمام النهى عن الخروج بعد الأذان مقيد بما إذا لم يكن صلى وليس ممن تنتظم به جماعة أخرى فإن كان خرج إليهم (وقال) إبراهيم النخعى يجوز لا الخروج ما لم يأخذ المؤذن في الإقامة. لكن هذا كله محمول على من خرج لغير ضرورة. أما من خرج لها كأن يكون محدثا أو حاقنا أو حصل له رعاف فلا حرج عليه. ويؤيده ما رواه ابن ماجه بسنده إلى عثمان رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُأنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أدركه الأذان في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة وهو لا يريد الرجعة فهو منافق. وما أخرجه الطبرانى في الأوسط مرفوعا من طريق سعيد بن المسيب عن أبى هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يسمع النداء في مسجدى ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق اهـ وقوله في مسجدى ليس للاحتراز عن غيره كما تدلّ عليه روايه ابن ماجه المذكورة. وخصّ مسجده صلى الله عليه وآله وسلم بالذكر تشريفا له. وكأن أبا هريرة علم أن الرجل المذكور خرج لغير حاجة (قال مالك) بلغنى أن رجلا قدم حاجا وأنه جلس إلى سعيد بن المسيب وقد أذن المؤذن وأراد أن يخرج من المسجد واستبطأ الصلاة فقال له سعيد لا تخرج فإنه بلغني أنه من خرج بعد الأذان خروجا لا يرجع اليه أصابه أمر سوء قال فقعد الرجل ثم إنه استبطأ الإقامة فقال ما أراه إلا قد حبسنى فخرج فركب راحلته فصرع فكسر فبلغ ذلك ابن المسيب فقال قد ظننت أنه سيصيبه ما يكره (قال ابن رشد) قول ابن المسيب بلغنى معناه عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذ لا يقال مثله بالرأى. وهي عقوبة معجلة لمن خرج بعد الأذان من المسجد على أنه لا يعود إليه لإيثاره تعجيل حوائج دنياه على الصلاة التي أذن لها وحضر وقتها (قال) أبو عمر بن عبد البرّ أجمعوا على القول بهذا الحديث لمن لم يصلّ وكان على طهارة وكذا إن كان قد صلى وحده إلا ما لا يعاد من الصلوات فلا يحلّ الخروج من المسجد بإجماع إلا أن يخرج للوضوء وينوى الرجوع اهـ ملخصا. ومن الأعذار المبيحة أيضا الخروج من المسجد بعد الأذان ما أحدث أهل

<<  <  ج: ص:  >  >>