وما أحسن قوله في قصيدته الكبرى
كذبتم وبيت الله نبزا محمدًا ... ولما نطاعن حوله ونناضل
ونسلمه حتى نصرع حوله ... ونذهل عن أبنائنا والحلائل
لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد ... وإخوته دأب المحب المواصل
فمن مثله في الناس أي مؤمل ... إذا قاسه الحكام عند التفاضل
حليم رشيد عادل غير طائش ... يوالي إلهًا ليس عنه بغافل
فوالله لولا أن أجيء بسبة ... تجر على أشياخنا في المحافل
لكنا اتبعناه على كل حالة ... من الدهر جدا غير قول التهاذل
لقد علموا أن ابننا لا مكذب ... لدينا ولا يعبأ بقول الأباطل
فأصبح فينا أحمد في أرومة ... تقصر عنها سورة المتطاول
حدبت بنفسي دونه وحميته ... ودافعت عنه بالذرى والكلاكل
وقوله نبزا بضم فسكون أي نغلب ونقهر. وكلفت بالبناء للمفعول تعلقت به تعلقًا شديدًا وقوله وإخوته يعني بهم أولاد نفسه. وأرومة بفتح الهمزة الأصل. والسورة تطلق على الغضبة والحدة والبطش: وحديث عطفت وملت. والذرى جمع ذروة وهي أعلى الشيء. والكلاكل جمع كلكل وهي عظم الصدور:
وقد وصى قريشًا عند موته باتباعه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكان مما قال: والله لا يسلك أحد سبيله إلا رشد. ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد. ولو كان بنفسي مدة ولأجلي تأخير لكففت عنه الهزاهز " أي البلايا والحروب" ولدافعت عنه الدواهي. وفي السنة العاشرة من البعثة مات أبو طالب فاشتد حزن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ونالت قريش من النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع فيه في حياة أبي طالب
(قوله فوار أباك) أي استره بالدفن. فوار أمر من المواراة, وهي الستر. وقد جاء أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمره أيضًا بغسله وتكفينه. فقد روى ابن سعد في الطبقات بسنده إلى على قال: لما أخبرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بموت أبي طالب بكى ثم قال لي اذهب فاغسله ثم كفنه وواره. ففعلت ثم أتيته فقال لي اذهب فاغتسل, وجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يستغفر له أيامًا ولا يخرج من بيته حتى نزل عليه جبريل بهذه الآية "ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين الآية". وروى ابن أبي شيبة في مصنفه بسنده إلى عليّ قال عمك الشيخ قد مات فما ترى فيه, قال أرى أن تغسله وتسجيه وأمره بالغسل
(وظاهر الحديث) أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لم يشيع جنازة أبي طالب, لكن قال البيهقي: روى أبو داود في المراسيل عن عمرو بن عثمان عن بقية وعن محمَّد بن عوف عن أبي المغيرة كلاهما عن صفوان