وهذه العلة نظير تعليل صاحب الشرع الاستنشاق بمبيت الشيطان على الخيشوم فإنه قال إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنشق بمنخريه من الماء فإن الشيطان يبيت على خيشومه متفق عليه وقال هنا فإن أحدكم لا يدرى أين باتت يده فعلل بعدم الدراية بمحلّ المبيت وهذا السبب ثابت في مبيت الشيطان على الخيشوم فإن اليد إذا باتت ملابستة للشيطان لم يدر صاحبها أين باتت، وفي مبيت الشيطان على الخيشوم وملابسته لليد سرّ يعرفه من عرف أحكام الأرواح واقتران الشياطين بالمحالّ التي تلابسها فإن الشيطان خبيث يناسبه الخبائث فإذا نام العبد لم ير في ظاهر جسده أوسخ من خيشومه فيستوطنه في المبيت، فأما ملابسته ليده فلأنها أعمّ الجوارح كسبا وتصرّفا ومباشرة لما يأمر به الشيطان من المعصية فصاحبها كثير التصرف والعمل بها ولهذا سميت جارحة لأنه يجرح بها أى يكسب وهذه العلة لا يعرفها أكثر الفقهاء اهـ (وقال) الباجى اختلف الناس في سبب غسل اليد لمن قام من النوم فقال ابن حبيب في واضحته إنما أمر بذلك لما لعله أن ينال به ما قد يبس من نجاسة خرجت منه لا يعلم بها أو غير نجاسة مما يتقذّر، وقيل إنما ذلك لأن أكثرهم كان يستجمر بالحجارة وقد يمس بيديه أثر النجاسة، وهذه الأقوال ليست ببينة لأن النجاسات لا تخرج من الجسد في الغالب إلا بعلم من تخرج منه، وما لا يعلم به فلا حكم له ولو كان غسل اليد بتجويز ذلك لأمر بغسل الثياب التى ينام فيها لجواز أن تخرج النجاسة منه في نومه فتنال ثوبه أو لجواز أن يمس ثوبه موضع الاستجمار وهذا باطل والأظهر ما ذهب إليه شيوخنا العراقيون من المالكيين وغيرهم أن النائم لا يكاد أن يسلم من حكّ جسده وموضع بثرة في بدنه ومس رفغه وإبطه وغير ذلك من مغابن جسده ومواضع عرقه فاستحب له غسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه على معنى التنظف والتنزّه ولو أدخل يده في إنائه قبل أن يغسلها لما أثم "إلى أن قال" وتعليق هذا الحكم بنوم الليل لا يدلّ على اختصاصه به لأن النائم إن كان لا يدرى أين باتت يده فكذلك المجنون والمغمى عليه وكذلك من قام إلى وضوء من بائل أو متغوّط أو محدث فإنه يستحب له غسل يده قبل أن يدخلها في إنائه خلافا للشافعى لأن المستيقظ لا يمكنه التحرّز من مس رفغه ونتف إبطه وفتل ما يخرج من أنفه وقتل برغوث وعصر بثر وحكّ موضع عرق وإذا كان هذا المعنى الذى شرع له غسل اليد موجودا في المستيقظ ولزمه ذلك الحكم ولا يسقط عنه أن يكون علق في الشرع على النائم ألا ترى أن الشرع علقه على نوم المبيت ولم يمنع ذلك من أن يتعدى إلى نوم النهار لما تساويا في علة الحكم اهـ وقال النووى قال الشافعي وغيره من العلماء إن أهل الحجاز كانوا يستنجون بالأحجار وبلادهم حارّة فإذا نام أحدهم عرق فلا يأمن النائم أن تطوف يده على ذلك الموضع النجس أو على بثرة أو قذر أو غير ذلك اهـ والحديث يدلّ على النهى عن إدخال اليد في إناء الوضوء عند الاستيقاظ من