والإجماع فمن جحد فرض صيامه فهو كافر. وحكمة مشروعيته كونه موجبا لسكون النفس وكسر سورتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح من العين واللسان والأذن والفرج. فبالصوم تضعف حركتها في محسوساتها، وكونه موجبا للرحمة والعطف على المساكين فإن الإنسان إذا ذاق ألم الجوع في وقت تذكر حال المساكين فى سائر الأوقات، فيسارع إلى الإحسان إليهم لدفع ألم الجوع عنهم, فينال بذلك حسن الجزاء من الله تعالى. قال الزرقانى شرع الصيام لفوائد. أعظمها كسر النفس وقهر الشيطان، فالشبع نهر فى النفس يرده الشيطان، والجوع نهر في الروح ترده الملائكة. ومنها أن الغنىّ يعرف قدر نعمة الله عليه بإقداره على ما منع منه كثير من الفقراء من فضول الطعام والشراب والنكاح، فإنه بامتناعه من ذلك في وقت مخصوص وحصول المشقة له بذلك يتذكر به منع ذلك علي الإطلاق فيوجب ذلك شكر نعمة الله عليه بالغنى ويدعوه إلى رحمة أخيه المحتاج ومواساته بما يمكن من ذلك اهـ
[باب مبدأ فرض الصيام]
أى فى بيان أول ما فرض منه. وقد اختلف العلماء هل فرض على الناس صيام قبل رمضان؟ فالمشهور عند الشافعية والجمهور أنه لم يفرض قط صوم قبل رمضان مستدلين بحديث معاوية ابن أبي سفيان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: هذا يوم عاشوراء ولم يكتب الله عليكم صيامه وأنا صائم، فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر. رواه البخارى. لكن قال في الفتح: قد استدل به على أنه لم يكن "يعنى صوم عاشوراء فرضا قط، ولا دلالة فيه لاحتمال أنه يريد ولم يكتب الله عليكم صيامه على الدوام كصيام رمضان. وغايته أنه عام خص بالأدلة الدالة على تقدم وجوبه اهـ وقال الحنفيون أول ما فرض صيام عاشوراء ثم ثلاثة أيام من كل شهر. من كل عشرة أيام يوما، ثم نسخ ذلك بصوم رمضان بحيث يمسك في كل يوم وليلة من العتمة إلى غروب الشمس، ثم نسخ ذلك بقوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} إلى قوله {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ} فقد أخرج الطبرى بسنده إلى معاذ أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قدم المدينة فصام يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، ثم شرع الله عزّ وجلّ فرض شهر رمضان فأنزل {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} وأخرج عن ابن عباس فى قوله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} الآية وكان ثلاثة أيام من كل شهر, ثم نسخ ذلك بالذى أنزل الله من صيام رمضان، فهذا الصوم الأول من العتمة. وعن عروة بن الزبير عن عائشة قالت كان يوم عاشوراء تصومه قريش فى الجاهلية وكان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يصومه