للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي بيان تحريمه كثير من العلماء. وعلى فرض أنه مكروه فلا يرتكبه إلا جاهل أو متساهل بدينه إذ اللائق بالعاقل أن يحتاط في أموره لا سيما الأحكام فيتباعد عن ارتكاب المكروه إذ ربما جره ارتكابه إلى ارتكاب الحرام. فقد قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه) رواه الشيخان من حديث النعمان بن بشير. وقال صلى الله تعالى عليه وعلى اله وسلم (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه , وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم) رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.

قال في المدخل فما وقع النهى عنه فلا يقرب لنص هذا الحديث. والنهى إذا ورد تناول المحرم والمكروه كما أن الأمر إذا ورد يتناول الواجب والمندوب قال وقالوا ارتكاب الكبائر أهون من استصغار الصغائر لأن مرتكب الكبيرة يرجع له أن يرجع إلى الله تعالى ومن تهاون بالصغائر قلّ أن يرجع عنها لأنها عنده ليست بشيء وقد قالوا لا كبيره مع الاستغفار ولا صغيره مع الإصرار. وكيف لا والمناسب لمن أراد سلوك سبيل الفلاح أن يستغفر من فعل الشهوات والمكروهات.

قال الإمام الشعراني في متنه (اعلم) أن من جملة الاحتياط اجتناب المكروه كأنه حرام والاعتناء بالسنن كأنها واجبة تعظيمًا لأمر الله تعالى وسمعت سيدي عليًا الخواص رحمه الله تعالى يقول كلما ازداد العبد معرفه بالله تعالى كلما اعتنى بالتعظيم لأمره ونهيه وكلما بعد عن الله تعالى كلما تهاون بفعل ما أمر الله به واجتناب ما نهى الله عنه.

وقال في متن التنوير وشرحه للحنفية كل مكروه حرام عند محمَّد ومثله البدعة. وعند أبي حنيفة وأبي يوسف إلى الحرام أقرب ومثله البدعة. ومن أراد زياده البيان فيما يتعلق بشرب الدخان فعليه بكتابنا "الرساله البديعة الرفيعة" ففيها ما أفتى به العلماء الأعلام على اختلاف مذاهبهم والله الموفق للصواب

(ومن المخالفات) التي يرتكبونها من أجل الجلوس للتعزية ما يقع من كثير من الناس من صرفهم الأموال الكثيره من تركه الميت التي ربما آل أمرها إلى أيتام فيذبحون ذبائح ويجمعون الناس على الطعام ويغتنم من لا خلاق له الأكل من ذلك ويوقدون مصابيح كثيره ويؤجرون دككًا للجلوس عليها وخيمًا ونحو ذلك مما يصرف أجره من مال اليتيم أو الفقير الذي يحتاج إليه فيما لا بد منه ولم يحملهم على ذلك إلا حب المحمدة والرياء وربما أداهم ذلك إلى التداين بالربا الذي هو محرم بالكتاب والسنة والإجماع. فلو كان المكث ثلاثه أيام لمن مات واجبًا لسقط بعدم القدرة عليه فما بالك إذا كان مخالفًا للشريعة المحمدية. إذا علمت هذا تعلم فساد قول بعض الجهلة إن لم أفعل هذا عيرني الناس بقولهم فلان لم يقدر على القيام بالإنفاق على مأتم قريبه ثلاثه أيام كعادة الناس.

ولذا صاروا يتفاخرون بذلك ليقال فلان فعل في مأتم أبيه مثلًا فعلا لا يقدر عليه غيره. ويقولون لا نقدر على ترك هذا العمل الذي جرت به العاده مع أنهم يتركون

<<  <  ج: ص:  >  >>