للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(معنى الحديث)

(قوله إن الله لا يستحيى من الحق) قدّمت أم سليم هذا القول تمهيدا لبسط عذرها في ذكرها ما تستحيى النساء من ذكره لأن الذى يعتذر به إذا كان متقدّما على المعتذر منه أدركته النفس صافيا من العتب وإذا تأخّر العذر استثقلت النفس المعتذر منه فتأثرت بقبحه ثم يأتي العذر رافعا وعلى الأول يأتى دافعا ودفع الشئ المستكره قبل وقوعه أيسر من رفعه بعد وقوعه ويستحيى بياءين على الأصل من الحياء وهو تغير وانكسار يعترى الإنسان من خوف ما يعاب به أو يذمّ وهو مستحيل على الله تعالى فيحمل على أن المراد لازمه وهو المنع أى إن الله تعالى لا يمنع من ذكر الحق. أو أن المراد لا يأمر بالحياء في الحق ولا يبيحه (قال) ابن دقيق العيد ولعل قائلا يقول إنما يحتاج إلى تأويل الحياء إذا كان الكلام مثبتا كما جاء إن الله حيّ كريم وأما في النفى فالمستحيلات على الله تعالى تنفى ولا يشترط في النفى أن يكون المنفى ممكنا (وجوابه) أنه لم يرد النفى على الاستحياء مطلقا بل على الاستحياء من الحق وبطريق المفهوم يقتضى أنه يستحيى من غير الحق فيعود بطريق المفهوم إلى جانب الإثبات اهـ

(قوله فلتغتسل إذا وجدت الماء) أى المنىّ بعد الاستيقاظ. وأتى به بعد الجواب بنعم لأنها ليست نصا في الجواب على وجوب الغسل. وفي رواية البخارى إذا رأت الماء وفيه ردّ على من زعم أن ماء المرأة لا يبرز وإنما تعرف إنزالها بشهوتها. وحمله الوجود والرؤية في الروايتين على العلم مردود لأن العلم حال النوم متعذر ولأن الرجل إذا رأى أنه جامع وعلم أنه أنزل في النوم ثم استيقظ فلم ير بللا لا يجب عليه الغسل فكذلك المرأة

(قوله فقلت أفّ لك) هذه كلمة تستعمل في الاحتقار والإنكار وهو المناسب هنا فإن الظاهر من قول عائشة الإنكار على أم سليم كما يدل عليه قوله وهل ترى ذلك المرأة وقولها في بعض الروايات فضحت النساء تربت يمينك، وأفّ اسم صوت إذا صوّت به الإنسان علم أنه متضجر وقيل أصل الأفّ وسخ الأصبع إذا فتل ويقال أففت بفلان تأفيفا إذا قلت له أفّ لك وفيها لغات أفضحها وأكثرها استعمالا ضم الهمزة وتشديد الفاء مكسورة منوّنة

(قوله وهل ترى ذلك المرأة) الاستفهام للإنكار بمعنى النفى أى لا ترى المرأة ذلك (قال العراقى) أنكرت عليها بعد جواب المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لها لأنه لا يلزم من ذكر حكم الشئ تحقق وقوعه فالفقهاء يذكرون الصور الممكنة ليعرفوا حكمها وإن لم تقع بل قد يصوّرون المستحيل لتشحيذ الأذهان اهـ (وقال) ابن عبد البرّ فيه دليل على أنه ليس كل النساء يحتلمن وإلا لما أنكرت عائشة وأم سلمة ذلك وقد يوجد عدم الاحتلام في بعض الرجال إلا أن ذلك في النساء أكثر (وعكس) ذلك ابن بطال فقال فيه دليل على أن كل النساء يحتلمن (قال) الحافظ والظاهر أن مراده الجواز لا الوقوع أى فيهن قابلية ذلك اهـ (قال) السيوطى وأى مانع أن يكون ذلك خصوصية لأزواجه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنهن لا يحتلمن كما أن من خصائص الأنبياء أنهم لا يحتلمون لأنه من الشيطان فلم يسلطه عليهم وكذا لا يسلط على أزواجه تكريما له اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>