ولا السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم أجمعين (إلى أن قال) وهذا وما شاكله ضد ما كانت عليه جنائز السلف رضي الله عنهم لأن جنائزهم كانت على التزام الأدب والسكون والخشوع والتضرع, حتى إن صاحب المصيبة لا يعرف من بينهم لكثرة حزن الجميع وما أخذهم من القلق والانزعاج بسبب الفكر فيما هم إليه صائرون وعليه قادمون حتى لقد كان بعضهم يريد أن يلقى صاحبه لضرورات تقع عنده فيلقاه في الجنازة فلا يزيد على السلام الشرعي شيئًا لشغل كل منهما بما تقدم ذكره, حتى إن بعضهم لا يقدر أن يأخذ الغذاء تلك الليلة لشدة ما أصابه من الجزع كما قال الحسن البصري رضي الله عنه: ميت غد يشيع ميت اليوم, وانظر رحمنا الله تعالى وإياك قول عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه لمن قال في الجنازة استغفروا لأخيكم فقال لا غفر الله لك, فإذا كان هذا حالهم في تحفظهم من رفع الصوت بمثل هذا اللفظ فما بالك بما يفعلونه مما تقدم ذكره, فأين الحال من الحال؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون. فعلى هذا ينبغي بل يتعين على من له عقل ألا ينظر إلى أفعال أكثر أهل الوقت ولا لعوائدهم. لأنه إن فعل ذلك تعذر عليه الاقتداء بأفعال السلف وأحوالهم فالسعيد السعيد من شد يده على اتباعهم فهم القوم لا يشقى من جالسهم ولا من أحبهم إن المحب لمن يحب مطيع اهـ كلام المحقق صاحب المدخل رحمة الله تعالى.
وقالت الحنابلة, ويكره رفع الصوت والضجة عند رفع الجنازة ورفع الصوت معها ولو بقراءة قرآن أو ذكر وكذا يكره أن تتبع بنار لأنه من شعار الجاهلية, وقول القائل مع الجنازة استغفروا له بدعة عند أحمد وكرهه وحرمه أبو حفص إذا علمت هذا علمت أن الواقع في هذا الزمان من رفع الأصوات بالقراءة والذكر ونحوهما مع الجنازة وضرب الطبل ونحوه حدث في الدين مردود على فاعله لما رواه الشيخان عن عائشة أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد. وفي رواية من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد وسيأتي للمصنف في "باب لزوم السنة" من كتاب السنة. وما رواه الطبراني بإسناد حسن عن أنس أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته. وما رواه مسلم عن أنس مرفوعًا: من رغب عن سنتي فليس مني. وما رواه ابن ماجه وابن أبي عاصم عن ابن عباس مرفوعًا "أبى الله أن يقبل عمل صاحب بدعة حتى يدع بدعته"
(قوله زاد هارون الخ) أي زاد هارون بن عبد الله في روايته بسنده قول النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم "ولا يمشي بين يديها" أي أمامها. وبهذه الزيادة تمسكت الحنفية فقالوا: يكره المشي أمام الجنازة, ويأتي تمام الكلام عليه في "باب المشي أمام الجنازة" إن شاء الله تعالى
(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والدارقطني في العلل والبيهقي
تم الجزء الثامن ويليه الجزء التاسع وأوله (باب القيام للجنازة)