للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ الْجُحْفَةِ وَالأَبْوَاءِ إِذْ غَشِيَتْنَا رِيحٌ وَظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ- يَتَعَوَّذُ بِ (أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) وَ (أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) وَيَقُولُ "يَا عُقْبَةُ تَعَوَّذْ بِهِمَا فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا". قَالَ وَسَمِعْتُهُ يَؤُمُّنَا بِهِمَا في الصَّلاَةِ.

(ش) (قوله بين الجحفة والأبواء) الجحفة بضم فسكون موضع بين مكة والمدينة قريب من رابغ وهي ميقات أهل مصر والشام سميت بذلك لأن السيل أجحف بأهلها أي ذهب بهم ويقال كان اسمها مهيعه وهي الآن خراب ولخفاء موضعها صار الناس يحرمون من رابغ: محل مشهور قبلها على ساحل البحر الأحمر, والأبواء وزان أفعال موضع بين مكة والمدينة قريب من الجحفة من جهه الشمال دون مرحلة

(قوله إذ غشيتنا ريح الخ) أي جاءتنا ريح وظلمة شديدة سترتنا

(قوله فجعل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يتعوذ الخ) أي شرع صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يتحصن بسورة قل أعوذ برب الفلق وسورة قل أعوذ برب الناس

(قوله يا عقبة تعوذ بهما الخ) أي تحصن بهاتين السورتين لأنه ما تحصن بمثلهما. واختصتا بذلك لاشتمالها على الجوامع في المستعاذ به والمستعاذ منه. أما الأول فلأن الافتتاح برب الفلق مؤذن بطلب فيض رباني يزيل كل ظلمه في الاعتقاد أو العمل لأن الفلق الصبح وهو وقت فيضان الأنوار ونزول البركات وقسم الأرزاق وذلك مناسب للمستعاذ به. وأما الثاني فلأنه في السورة الأولى ابتدأ في ذكر المستعاذ منه بالعام وهو شر كل مخلوق وهو شر كل مخلوق حي أو جماد فيه شر في البدن أو المال أو الدنيا أو الدين كإحراق النار ثم بالخاص اعتناء به لخفاء أمره إذ يلحق الإنسان من حيث لا يعلم لأن الظلمة التي تعقب ذلك تكون سببًا لصعوبة التحرز من الشر المسبب عنها ثم ذكر نفث الساحرات في عقدهن الموجب لسريان شرهن في الروح على أبلغ وجه وإخفائه فهو أدق من الأول, ثم ذكر شر الحاسد في وقت التهاب نار حسده لأنه حينئذ يسعى في إيصال أدق المكايد المذهبة للنفس والدين فهو أدق وأعظم من الثاني. وفي السورة الثانية خص شر الموسوس في الصدور من الجنة والناس لأن شره حينئذ يعادل تلك الشرور بأسرها لأنها إذا كانت في صدر المستعيذ ينشأ عنها كل كفر وبدعة وضلالة. ومن زاد التأكيد والمبالغه في جانب المستعاذ به إيذانًا بعظمة المستعاذ منه وكأنه قيل أعوذ من شر الموسوس إلى الناس بمن رباهم بنعمه وملكهم بقهره وقوته وهو الههم ومعبودهم الذي يستعيذون به ممن سواه ويعتقدون أن لا ملجأ لهم إلا إليه: وختم به لأنه

<<  <  ج: ص:  >  >>