للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أو أنه نسى قوله من الفجر حتى ذكره النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في رواية ابن جرير عن عدى بن حاتم قال: أتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فعلمنى الإسلام ونعت لى الصلوات كيف أصلى كل صلاة لوقتها ثم قال: إذا جاء رمضان فكل واشرب حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر، ثم أتم الصيام إلى الليل، ولم أدر ما هو؟ ففتلت خيطين من أبيض وأسود فنظرت فيهما عند الفجر فرأيتهما سواء، فأتيت رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فقلت يا رسول الله كل شئ أوصيتنى قد حفظت غير الخيط الأبيض من الخيط الأسود. قال وما منعك يابن حاتم؟ وتبسم كأنه قد علم ما فعلت. قلت فتلت خيطين من أبيض وأسود فنظرت فيهما من الليل فوجدتهما سواء، فضحك رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى رؤى نواجذه ثم قال: ألم أقل لك من الفجر؟ إنما هو ضوء النهار وظلمة الليل (وحديث عدى) هذا يقتضى أنّ قوله من الفجر نزل متصلا بقوله من الخيط الأسود "وما رواه" البخارى عن سهل بن سعد قال أنزلت "كلوا واشربوا حتى يتبين لك الخيط الأبيض من الخيط الأسود" ولم ينزل من الفجر فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود ولا يزال يأكل حتى يتبين له رؤيتهما فأنزل الله بعد من الفجر، فعلموا أنه إنما يعنى الليل والنهار "يقتضى" أنّ قوله من الفجر نزل بعد ذلك لرفع ما وقع لهم من الإشكال. والجمع بينهما أن حديث عدى بن حاتم متأخر عن حديث سهل بن سعد وكأنّ عديا لم يبلغه ما جرى فى حديث سهل، وإنما سمع الآية مجردة ففهمها على ما وقع. فبين له النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنّ المراد بقوله من الفجر أن ينفصل أحد الخيطين عن الآخر، وأنّ قوله من الفجر متعلق بقوله يتبين. أفاده الحافظ في الفتح

(قوله فقال إنّ وسادك إذا لعريض طويل) وفي نسخة لطويل عريض، أراد صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أنه غفل عن المراد من الآية ولم يفطن له فكنى بعرض الوسادة وطولها عن غفلته فهو نظير قولهم إن فلانا عريض القفا إذا كان فيه غباوة وغفلة. هكذا حمله بعضهم على الذم لعدى. وكأنهم فهموا أنه نسبه إلى الجهل والجفاء وعدم الفقه، وعضدوا ذلك بما فى حديث أبى عوانة عن مطرّف فضحك وقال: لا يا عريض القفا. (قال القرطبى) وليس الأمر على ما قالوا لأنّ من حمل اللفظ على حقيقته اللسانية التى هى الأصل إن لم يتبين له دليل التجوز لم يستحق ذما ولا ينسب إلى جهل. وإنما عنى والله أعلم أنّ وسادك إن كان يغطى الخيطين اللذين أرادهما الله تعالى فهو إذا عريض واسع، ولهذا قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إثر ذلك "إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار" فكأنه قال فكيف يدخلان تحت وسادك، وقوله إنك لعريض القفا أى أنّ الوساد الذى يغطى الليل والنهار لا يرقد عليه إلا قفا عريض للمناسبة اهـ ويؤيد كلام القرطبى ذكر ابن حبان حديث عدى تحت ترجمة "ذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>