الأسير إلى عنقه (والحاصل) أن كل مال يأخذه الشخص من غير حلّ ثم يتصدق به لا يقبل منه وكذلك إن نوى التصدق عن صاحبه ولا تسقط عنه تبعته اللهم إلا إذا رضى صاحبه وجعله في حلّ من ذلك، ويدخل فيه صدقة المرأة من مال زوجها بغير رضاه وصدقة العبد من مال سيده بغير إذنه وصدقة الوكيل من مال موكله، والشريك من مال شريكه والوصى الذى وكل إليه التصدق بمال فأنفقه على نفسه أو أخرجه في غير مصرفه ونظار الأوقاف الذين يتناولون من ريعها من غير استحقاق ثم يتصدقون بها أو يصرفون ريعها في غير مصرفه ومن هذا قالوا إن من أخذ مال غيره بلا وجه شرعي لزمه ردّه لصاحبه إن كان حيا وإلا ردّه على ورثته فإن لم يكن له ورثة يتصدّق به عنه ويرجى له الخلاص بوم القيامة وكذا إذا لم يدر صاحبه أو استولى عليه بعقد فاسد ولم يتمكن من فسخه فإنه يتصدق به على الفقراء تخلصا من الحرام لا طمعا في الثواب. وهذا لا ينافي الحديث ولا قوله تعالى "ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون" لأنهما يدلان على حرمة التصدق بالمال الحرام طمعا في الأجر والثواب
(قوله ولا صلاة بغير طهور) أى ولا يقبل الله تعالى صلاة بغير طهور، وصلاة نكرة في سياق النفي تعمّ الفرض والنفل، والطهور بضم الطاء المهملة المراد به الفعل وهو التطهر على قول الأكثرين وقيل يجوز فتحها، وهو بعمومه يتناول التطهر بالماء والتراب، وقال ابن الأثير الطهور بالضم التطهر وبالفتح الماء الذى يتطهر به، وقال سيبويه الطهور بالفتح يقع على الماء والمصدر معا فعلى هذا يجوز أن يكون الحديث بفتح الطاء وضمها والمراد التطهر اهـ وهذا إن لم تعلم الرواية وإلا اتبعت، وضبطه ابن سيد الناس بضم الطاء لا غير، والحديث نص على فرضية الطهارة للصلاة لأنه تعالى إذا لم يقبل الصلاة إلا بالطهارة تكون صحتها موقوفة على وجود الطهارة فتكون شرطا والمشروط لا يوجد بدون شرطه، وقال النووى في شرح مسلم هذا الحديث نص في وجوب الطهارة للصلاة وقد أجمعت الأمة على أن الطهارة شرط في صحة الصلاة اهـ، وقال القاضى عياض واختلفوا متي فرضت الطهارة للصلاة، فذهب ابن الجهم إلى أن الوضوء في أول الإسلام كان سنة ثم نزل فرضه في آية التيمم، وقال الجمهور بل كان قبل ذلك فرضا، واختلفوا في أن الوضوء فرض على كل قائم إلى الصلاة أم على المحدث خاصة، فذهب بعض السلف إلى أن الوضوء لكل صلاة فرض بدليل قوله تعالى "إذا قمتم إلى الصلاة" الآية وذهب الجمهور إلى أن ذلك قد كان ثم نسخ، وقيل الأمر به لكل صلاة على الندب، وقيل لم يشرع إلا لمن أحدث ولكن تجديده لكل صلاة مستحب وعلى هذا أجمع أهل الفتوى ولم يبق بينهم فيه خلاف بعد ذلك ومعنى الآية عندهم إذا قمتم محدثين ويدلّ على هذا التأويل ما أخرجه أحمد وأبو داود عن عبد الله ابن حنظلة الأنصارى أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم