في حدور من الأرض والسيول كانت تكسح هذه الأقذار من الطرق والأفنية وتحملها فتلقيها فيها وكان الماء لكثرته لا يؤثر فيه وقوع هذه الأشياء ولا تغيره فسألوا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عن شأنها ليعلموا حكمها في الطهارة والنجاسة فكان من جوابه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لهم أن الماء لا ينجسه شئ يريد الكثير منه الذى صفته صفة ماء هذه البئر في غزارته لأن السؤال إنما وقع عنها فخرج الجواب عليها، على أن بعضهم قد تكلم في هذا الحديث منهم ابن القطان في كتابه الوهم والإيهام وضعفه وقال إن في إسناده اختلافا فقوم يقولون عبيد الله بن عبد الله بن رافع وقوم يقولون عبد الله بن عبد الله بن رافع ومنهم من يقول عبيد الله بن عبد الرحمن بن رافع ومنهم من يقول عبد الله ومنهم من يقول عن عبد الرحمن بن رافع قال فتحصل فيه خمسة أقوال وكيفما كان فهو لا يعرف له حال اهـ وقوله يريد الكثير منه الخ فيه نظر لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو مقرر
(قوله وقال بعضهم عبد الرحمن بن رافع) أى قال بعض الرواة وهو محمد بن سلمة في السند الآتي عن عبيد الله ابن عبد الرحمن بن رافع بدل ابن عبد الله بن رافع في السند أو قال عن عبد الرحمن بن رافع بدل عبيد الله بن عبد الله بن رافع وقد نص البخارى على أن هذا وهم وقال البيهقي بعد سياق السند الآتي للمصنف وقيل عن محمد بن سلمة في هذا الإسناد عن عبد الرحمن بن رافع الأنصارى بصيغة التضعيف
(فقه الحديث) دل الحديث على أن الماء لا يتنجس بوقوع شئ فيه سواء أكان قليلا أم كثيرا ولو تغيرت أوصافه، لكن قام الإجماع على أن الماء إذا تغير أحد أوصافه بالنجاسة خرج عن الطهورية فكان الاحتجاح به على نجاسة ما تغير بحلول نجاسة فيه لا بالاستثناء في حديث إن الماء طهور إلا إن تغير ريحه أو لونه أو طعمه بنجاسة تحدث فيه رواه البيهقي عن أبي أمامة ورجح أبو حاتم إرساله، وقال الدارقطني لا يثبت هذا الحديث، فلذا لم يحتج بهذا الاستثناء فلا ينجس الماء بما لاقاه ولو كان قليلا إلا إذا تغير. وقد ذهب إلى ذلك ابن عباس وأبو هريرة والحسن البصرى وابن المسيب. وعكرمة وابن أبي ليلى والثورى وداود الظاهرى والنخعى وجابر بن زيد ومالك والغزالى ومن أهل البيت القاسم والإمام يحيى، والحديث وإن ورد على سبب خاص وهو بئر بضاعة فلفظه عام والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وذهب ابن عمر ومجاهد وإسحاق ومن أهل البيت الهادى والمؤيد بالله وأبو طالب والناصر، وكذا الشافعية وأحمد والحنفية إلى أنه ينجس القليل بما لاقاه من النجاسة وإن لم تتغير أوصافه إذ تستعمل النجاسة باستعماله لحديث إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها فإنه لا يدرى أين باتت يده وسيأتي للمصنف فنهى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم النائم عن غمس يده وعلل النهى بخشية النجاسة ومعلوم أن النجاسة التي قد تكون على يده وتخفي عليه لا تغير الماء، ولخبر إذا ولغ الكلب