مختص به تعالى بخلاف الأولين فإنهما قد يطلقان على غيره. وسبب نزول هاتين السورتين كما قال المفسرون أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لما رجع من الحديبة في ذى الحجة ودخل المحرم سنه سبع وفرغ من غزوة خيبر جاءت رؤساء اليهود إلى لبيد بن الأعصم وكان ساحرًا فقالوا أنت أسحرنا وقد سحرنا محمَّدًا فلم يؤثر فيه سحرنا شيئًا ونحن نجعل لك جعلًا على أن تسحره لنا سحرًا يؤثر فيه فجعلوا له ثلاثة دنانير فأتى غلامًا يهوديا كان يخدم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فلم يزل به حتى أخذ مشاطة رأس النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وعدة أسنان من مشطه وأعطاها له فسحره بها وكان من جملة السحر صورة من شمع على صورة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وقد غرزوا بها إحدى عشرة إره وجعلوا فيها وترًا فيه إحدى عشرة عقدة فنزلتا وكان النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كلما قرأ آية انحلت عقده وكلما نزع إبره وجد لها ألما في بدنه ثم يجد بعدها راحه فقد روى البخاري ومسلم وابن ماجه عن عائشه رضي الله تعالى عنها قالت سحر رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حتى أنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء ولم يكن يفعله حتى إذا كان ذات يوم أو ذات ليله دعا الله ثم دعا قال اشعرت يا عائشه أن الله تعالى قد أفتاني فيما استفتيته فيه قلت وما ذاك يا رسول الله. فقال جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي فقال الذي عند رأسي للذي عند رجلي أو الذي عند رجلي للذى عند رأسي ما وجع الرجل؟ قال مطبوب؟ قال مطبوب (أي مسحور) قال من طبه؟ قال لبيد بن الأعصم قال في أي شيء؟ قال في مشط ومشاطة وجف طلعة ذكر (أي وعاء طلع النخل) قال فأين هو؟ قال في بئر ذروان, قالت فأتاها رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في أناس من أصحابه ثم قال يا عائشه والله لكأن ماءها نقاعة الحنا ولكأن نخلها رءوس الشياطين قالت فقلت يا رسول الله أفلا أحرقته قال لا أما أنا فقد عفاني الله تعالى وكرهت أن أثير على الناس الشر فأمرت بها فدفنت اهـ وهذان الرجلان جبريل وميكائيل كما في رواية ابن مردويه عن ابن عباس
(وانكر بعضهم) حديث السحر زاعمين أنه غير لائق بالنبوة لأن تجويز السحر على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يؤدي إلى عدم الثقه بما أتى به من الشرائع. إذ يحتمل أن يخيل إليه أنه يرى جبريل ويكلمه وليس كذلك (وهو مردود) بالأحاديث الصحيحه وإجماع الصحابة "وما وقع له" صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من السحر "كان متعلقًا" بظاهر جسده لم يصل إلى قلبه وعقله, فهو من الأعراض البشرية التي لا تؤدي إلى خلل في منصب النبوة كالأمراض غير المنفرة. قال القاضي عياض قد جاءت رويات حديث عائشه مبينة أن السحر إنما تسلط على جسده الشريف وظواهر جوارحه لا على عقله وقلبه واعتقاده "ويكون" معنى ما في بعض الروايات حتى يظن أنه يأتي أهله ولا يأتيهن. وفي بعض أنه يخيل