للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجمع السماوات وأفرد الأرض للانتفاع بجميع أجزاء الأولى باعتبار ما فيها من نور الكواكب وغيره دون الثانية فإنه إنما ينتفع بواحدة منها وهي ما نشاهده منها أو لأن كل طبقة من طبقات السماوات ممتازة عن الأخرى بذاتها كما يدل عليه قوله تعالى "فسواهن سبع سموات" سواء أكانت متماسة كما هو رأى الحكماء أم لا كما جاء في الآثار من أن بين كل سماءين مسيرة خمسمائة عام وأيضا فإن طبقاتها مختلفة الحقيقة بخلاف الأرض فإن طبقاتها ليست مختلفة الحقيقة اتفاقا سواء أكانت متصلة كما هو رأي الحكماء أم منفصلة كما جاء في الآثار من أن ما بين كل أرضين كما بين كل سماءين. وقدّم السموات لما قيل إنها أشرف من الأرض لكونها مسكن المطهرين لا غير

(قوله واختلاف الليل والنهار) أي تعاقبهما وكون كل منهما خلفا للآخر أو اختلاف كل منهما في أنفسهما ظلمة ونورا ونحو ذلك، وقدم الليل لسبقه في الخلق على الصحيح ولا ينافيه قوله تعالى "ولا الليل سابق النهار" لأن المعنى ليس الليل يسبق النهار يحيث يأتي قبل انقضاء النهار فلا يأتي في أثنائه

(قوله لآيات) أى علامات ودلائل على وحدانية الله تعالى وكمال علمه وعظيم قدرته. والتنوين فيه للتفخيم كما وكيفا أي آيات كثيرة عظيمة وجمع القلة هنا قائم مقام جمع الكثرة

(قوله لأولى الألباب) أي لذوي العقول الكاملة فالألباب جمع لبّ وهو العقل، ووجه دلالة المذكورات على وحدانية الله تعالى أنها تدلّ على وجود الصانع لتغيرها المستلزم لحدوثها واستنادها لمؤثر قديم. ووجه دلالتها على كمال علمه وعظيم قدرته أنها في غاية الإتقان ونهاية الإحكام لمن تأمل فيها وتفكر في ظاهرها وباطنها وذلك يستدعي كمال العلم والقدرة، والاقتصار على هذه الثلاثة لأنها أمهات الدلائل إذ الآيات مع كثرتها منحصرة في السماوية والأرضية والمركبة منهما، وقد ورد عن النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ما يحمل العاقل على التفكر في هذه الآية والجدّ في الطاعة فقد أخرج ابن حبان في صحيحه وابن عساكر وغيرهما عن عطاء قال قلت لعائشة رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُا أخبريني بأعجب ما رأيت من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالت وأيّ شأنه لم يكن عجبا إنه أتاني ليلة فدخل معى في لحافي ثم قال ذريني أتعبد لربي فقام فتوضأ ثم قام يصلى فبكى حتى سالت دموعه على صدره ثم ركع فبكى ثم سجد فكى ثم رفع رأسه فبكى فلم يزل كذلك حتى جاء بلال فآذنه بالصلاة فقلت يا رسول الله ما يبكيك وقد غفر الله تعالى لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أفلأ أكون عبدا شكورا ولم لا أفعل وقد أنزل الله تعالى على في هذه الليلة "إن في خلق السموات والأرض" إلى قوله "سبحانك فقنا عذاب النار" ثم قال ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها

(قوله أو ختمها) الشك من هشيم لما في رواية ابن فضيل عن حصين الآتية حتى ختم السورة بدون شك. والحكمة في تلاوة هذه الآيات ما فيها من اللطائف العظيمة والمعارف الجسيمة لمن

<<  <  ج: ص:  >  >>