واستدبارها لا فرق بين أهل المدينة وغيرهم (ثامنها) أن النهي للتنزيه فيكون ما ذكر مكروها وإليه ذهب القاسم بن إبراهيم ونسبه في البحر إلى المؤيّد بالله وأبى طالب والناصر والنخعى وهو رواية عن أبى حنيفة وأحمد وأبى ثور وأبى أيوب الأنصارى واستدلّ له بأحاديث عائشة وجابر وابن عمر المتقدم ذكرها قالوا إنها صارفة للنهى عن التحريم إلى الكراهة وهو لا يتمّ في حديث ابن عمر وجابر لأنه ليس فيهما إلا مجرّد الفعل وهو لا يعارض القول الخاص بنا كما تقدّم، نعم إن صحّ حديث عائشة صلح لذلك، وأقرب هذه الأقوال أولها وثانيها، أما الأول فلأن أحاديث الإباحة وردت في العمران فحملت عليه وأحاديث النهي عامة خص خص منها العمران بأحاديث الإباحة فبقيت الصحارى على التحريم قال الحافظ في الفتح وهو أعدل الأقوال لإعماله جمع الأدلة ويؤيّده من جهة النظر ما قاله ابن المنير من أن الاستقبال في البنيان مضاف إلى الجدار عرفا وأن الأمكنة المعدّة لذك مأوى الشياطين فليست صالحة لكونها قبلة بخلاف الصحراء فيهما اهـ وأما الثانى فسيأتى وجه اختياره في الكلام على حديث أبى أيوب إن شاء الله تعالى، ودلّ الحديث أيضا علي النهى عن الاستنجاء باليمين لرفع قدرها وتنزيها لها عن مباشرة الأقذار لأنه لو باشر النجاسة بها ربما تذكر عند تناوله الطعام ما باشرت يمينه من الأقذار فيعاف الطعام فقد كان النبى عليه وعلى آله الصلاة والسلام يجعل اليمنى لطهوره وطعامه وشرابه ولباسه مصونة من مباشرة أسافل بدنه ومماسة الأعضاء التى هي مجارى النجاسات واليسرى لخدمة أسافل بدنه وإماطة ما هناك من الأقذار وتنظيف ما يحدث فيها من الأدناس، وهذا النهى للتنزيه عند الجمهور وحمله أهل الظاهر على التحريم حتى قال الحسين بن عبد الله الناصرى الظاهرى في كتابه البرهان ولو استنجى بيمينه لا يجزئه وهو وجه عند الحنابلة وطائفة من الشافعية وقال النووى وقد أجمع العلماء على أنه منهىّ عن الاستنجاء باليمين ثم الجماهير على أنه نهى تنزيه وأدب لا نهى تحريم، وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه حرام وأشار إلى تحريمه جماعة من أصحابنا ولا تعويل على إشارتهم قال أصحابنا ويستحب أن لا يستعين باليد اليمنى في شئ من أمور الاستنجاء إلا لعذر فإذا استنجى بماء صبه باليمنى ومسح باليسرى وإذا استنجى بحجر فإن كان في الدّبر مسح بيساره وإن كان في القبل وأمكنه وضع الحجر على الأرض أو بين قدميه بحيث يتأتى مسحه أمسك الذكر بيساره ومسحه على الحجر فإن لم يمكنه ذلك واضطرّ إلى حمل الحجر حمله بيمينه وأمسك الذكر بيساره ومسح بها ولا يحرّك اليمنى هذا هو الصواب، وقال بعض أصحابنا يأخذ الذكر بيمينه والحجر بيساره ويمسح ويحرّك اليسرى وهذا ليس بصحيح لأنه يمس الذكر بيمينه بغير ضرورة وقد نهى عنه اهـ ودلّ الحديث أيضا على أن الاستنجاء بالأحجار. مطهر وعلى أنه لا يجزئ أقل من ثلاثة أحجار وقد ورد كيفية استعمال الثلاثة في حديث ابن عباس