الوجه. وهذا إذا سأل بلا ضرورة وإلا فيده لا تتصف بانحطاط الرتبة
(قوله فأعط الفضل) أي ما يبقى من كفايتك ومن تلزمك نفقته. والأمر للندب
(قوله ولا تعجز عن نفسك) بفتح المثناة الفوقية كسر الجيم من باب ضرب، وفي لغة قليلة من باب تعب، أي لا تعجز عن مقاومة نفسك الحريصة على المال فتبخل بإنفاق الفضل ويحتمل أن المراد لا تعط مالك كله فلا تتمكن بعد من الإنفاق على نفسك فتحتاج إلى السؤال
(والحديث) من أدلة الجمهور القائلين أن اليد العليا هي المنفقة كما تقدم وإن السفلى هي السائلة. وقيل العليا الآخذة والسفلى المانعة. وقيل المراد هنا النعمة فكأن المعنى أن العطية الجزيلة خير من العطية القليلة
(قال الحافظ) في الفتح نقلا عن ابن نباتة: وهذا حثّ على مكارم الأخلاق بأوجز لفظ، ويشهد له أحد التأويلين في قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيما رواه الطبراني عن ابن عباس "خير الصدقة ما أبقت غني" أي ما حصل به للسائل غنى عن سؤاله كمن أراد أن يتصدق بألف فلو أعطاها لمائة إنسان لم يظهر عليهم الغنى بخلاف ما لو أعطاها لواحد. قال وهو أولى من حمل اليد على الجارحة لأن ذلك لا يظهر فيمن يأخذ وهو خير عند الله ممن يعطى
(قلت) التفاضل هنا يرجع إلى الإعطاء والأخذ، ولا يلزم منه أن يكون المعطي أفضل من الآخذ على الإطلاق. وقد روى إسحاق في مسنده أن حكيم بن حزام قال: يا رسول الله ما اليد العليا؟ قال: التى تعطي ولا تأخذ. فقوله ولا تأخذ صريح في أن الآخذة ليست بعليا اهـ
ومنه تعلم بطلان ما قاله بعض المتصوفة من أن اليد الآخذة أفضل من المعطية مطلقًا. قال ابن قتيبة: ما أرى هؤلاء إلا قومًا استطابوا السؤال فهم يجنحون للدناءة
(والحاصل) أن يد الله تعالى باعتار كونه مالك كل شيء تنسب إلى الإعطاء وباعتبار قبوله للصدقة وإثابته عليها تنسب إلى الأخذ وهي العليا على حال. أما يد الانسان فأربعة
(أولاها) يدا المعطي وقد تضافرت الأخبار بأنها عليا (ثانيها) يد السائل وقد صرحت بأنها سفلى أخذت أم لا، وهذا موافق لكيفية الإعطاء والأخذ غالبًا (ثالثها) يد المتعفف عن الأخذ ولو بعد أن مدت إليه يد المعطي، وهذه عليا علوًا معنويًا (رابعها) يد الآخذ بلا سؤال، وقد اختلف فهل إنها سفلى بالنظر إلى الأمر المحسوس. وأما المعنوي فلا يطرد وقد تكون عليا في بعض الصور، فقد يكون الآخذ ما أبيح له، أفضل وأورع من المعطي. وعليه يحمل كلام من أطلق كونها عليا. ومحصل ما في الآثار أن أعلى الأيدي المنفقة ثم المتعففة عن الأخذ ثم الآخذة بلا سؤال وأسفل الأيدي السائلة والمانعة اهـ ملخصًا
(فقه الحديث) دل الحديث على الحث على الصدقة. وعلى مجاهدة النفس. وعلى التنفير من سؤال الخلق. وعلى الحث على الرجوع إلى الله عَزَّ وَجَلَّ في جميع الأمور لأنه سبحانه وتعالى المالك المتصرف على الإطلاق
(والحديث) أخرجه أيضًا أحمد والحاكم وابن خزيمة