(ش) مناسبة الحديث للترجمة أن العمل عام يشمل الصلاة. و (قتيبة) هو ابن سعيد. و (الليث) بن سعد الإِمام. و (ابن عجلان) هو محمَّد
(قوله اكلفوا من العمل ما تطيقون الخ) من كلف من باب تعب يقال كلفت بهذا الأمر أكلف به أي أحببته وأولعت به. والمعنى خذوا من عمل البر ما تستطيعون المداومة عليه ولا تحملوا أنفسكم من الطاعات ما لا تقدرون على المداومة عليها. فمنطوقه يقتضي الأمر بالإقتصار على ما يطاق من العبادة. ومفهومه يقتضي النهي عن تكلف ما لا يطاق منها. وهو عام في أعمال البر لعموم اللفظ وإن كان سببه خاصًا بصلاة الليل "ففي مسلم" عن عائشة قالت كان لرسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم حصير وكان يحجره من الليل فيصلي فيه فجعل الناس يصلون بصلاته ويبسطه بالنهار فثابوا "أي رجعوا للصلاة" ذات ليلة فقال يأيها الناس عليكم ما الأعمال ما تطيقون "الحديث".
وقوله فإن الله لا يمل حتى تملوا بفتح الميم فيهما من باب تعب، والملل في الأصل السآمة والضجر يقال مللته ومللت منه مللًا وملالة أي سئمت وضجرت وهذا محال على الله تعالى. والمراد أنه لا يترك الثواب على العمل ما لم تتركوا العمل فهو من باب إطلاق الملزوم وإرادة اللازم فإن من ملّ شيئًا تركه فعبر عن الترك بالملل الذي هو سبب الترك. وقيل معناه لا يقطع عنهم فضله ما لم يملوا سؤاله فسمى فعله تعالى مللًا من باب المشاكلة وهي التعبير عن المعنى بلفظ غيره لوقوعه في صحبته، ونظيره قوله تعالى (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ) أي جازاهم على مكرهم
(قوله فإن أحب العمل الخ) أي أكثره ثوابًا عند الله تعالى ما دووم عليه وإن كان قليلًا. وهو علة أخرى للأمر بالتوسط في العمل. وفي رواية مسلم وإن أحب الأعمال إلى الله ما دووم عليه. وفي رواية للبخاري عن مسروق سألت عائشة أي الأعمال أحب إلى النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قالت الدائم
(قوله وكان إذا عمل عملًا أثبته) أي كان صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إذا عمل عملًا داوم عليه. وهذا من كلام عائشة مدرج في الحديث. وفي رواية مسلم وكان آل محمَّد صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إذا عملوا عملًا أثبتوه
(فقه الحديث) دل الحديث على مشروعية التوسط والاعتدال في العمل وكراهة التعمق في الطاعة وعلى بيان ما كان عليه النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من الشفقة والرأفة بأمته حيث أرشدهم إلى ما فيه صلاحهم وما يمكنهم المحافظة عليه بلا مشقة لأن النفس تكون فيه أنشط ويحصل منه المقصود من الطاعة وهو الخشوع والدوام عليها بخلاف العمل الذي يشق على النفس فإنه