وذكره ابن خلفون في الثقات
(معنى الحديث)
(قوله من علم لا ينفع) أي لا ينفع صاحبه لا في الدنيا بالعمل به ولا في الآخرة بالثواب عليه. واستعاذ صلى الله عليه وآله وسلم منه لأنه يكون حسرة على صاحبه ويلقى به في النار فقد روى الشيخان أن النبي صلي الله عليه وآله وسلم قال: يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه "أمعاؤه" فيدور كما يدور الحمار برحاه فيجتمع عليه أهل النار فيقولون يا فلان ما شأنك ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه, وأنهاكم عن الشر وآتيه.
ورويا أيضًا أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: مررت ليلة أسري بي بأقوام تقرض شفاههم بمقاريض من نار قلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون.
وروى الطبراني بإسناد جيد عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: مثل العالم الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضئ للناس ويحرق نفسه.
وروى الطبراني في الصغير والأوسط من رواية الحارث الأعور عن علي أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: إني لا أتخوف على أمتي مؤمنًا ولا مشركًا: فأما المؤمن فيحجزه إيمانه وأما المشرك فيقمعه كفره, ولكن أتخوف عليكم منافقًا عالم اللسان يقول ما تعرفون ويفعل ما تنكرون.
ويدخل في قوله تعالى. كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. وقوله " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم" الآية وأيضًا فإن مقصود من يأمر غيره بالخير إرشاده إلى ما فيه فلاحه شفقة عليه وليس من الحزم أن يشفق الإنسان علي غيره ويدع نفسه. وأيضًا كل واعظ يرغب في أن يكون وعظه نافعًا في القلوب مؤثرًا فيها وبإقدامه على المعصية تنفر القلوب عن قبول وعظه ففعله يقلب عليه غرضه.
وأيضًا فإن من وعظ الناس ولم يتعظ يكون سببًا لرغبة الناس في المعصية لأنهم يقولون إنه مع علمه فعل كذا فلولا أنه مطلع على رخصة فيه لما أقدم عليه بعد نهيه عنه, فيصير بذلك داعيًا إلى التهاون بالدين والجرأة علي المعصية وعدم المبالاة بها. قال علي رضي الله تعالى عنه "قصم ظهري رجلان عالم متهتك وجاهل متنسك" أي لأن كلا من هذين فتنة في الدين, فالعالم المتهتك الذي لا يعمل بعلمه يفتن الناس بفعله لأن اقتداءهم بفعل العالم ربما يكون أكثر من اقتدائهم بقوله. والجاهل المتنسك المنقطع للعبادة علي جهل يفتن الناس بجهله فإنه لتنسكه تميل الناس إليه ويقتدون به فيعم جهله كل من اقتدى به.
وروى ابن مردويه أن رجلًا قال يا ابن عباس إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر فقال أبلغت ذلك؟ قال أرجو , قال إن لم تخش أن تفتضح بثلاث آيات من كتاب الله فافعل, قال وما هن قال قوله تعالى "أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم" أحكمت هذه؟ فقال لا, قال فالحرف الثاني قال قوله تعالى "لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" أحكمت هذه؟ قال لا, قال