ونحوه اهـ ملخصا (وقالت) الحنفية والشافعية والمالكية إنه سنة واحتجوا بأن التعليل بأمر يقتضى الشك قرينة صارفة عن الوجوب إلى الندب، وبحديث أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم توضأ من الشنّ المعلق بعد قيامه من النوم ولم يرو أنه غسل يده كما ثبت في حديث ابن عباس وبأن التقييد بالثلاث في غير النجاسة العينية يدلّ على الندبية، وهذه الأمور إذا ضمت إليها البراءة الأصلية لم يبق الحديث منتهضا للوجوب ولا لتحريم ترك الغسل (قال) الخطابي الأمر فيه ليس للوجوب وذلك لأنه قد علقه بالشك والأمر المضمن بالشك لا يكون موجبا وأصل الماء الطهارة وكذا بدن الإنسان، وإذا ثبتت الطهارة يقينا لم تزل بأمر مشكوك فيه اهـ (قال العيني) في شرح البخارى استدلّ بالحديث أصحابنا على أن غسل اليدين قبل الشروع في الوضوء سنة، بيان ذلك أن أول الحديث يقتضى وجوب الغسل للنهى عن إدخال اليد في الإناء قبل الغسل وآخره يقتضى استحباب الغسل للتعليل بقوله فإنه لا يدرى أين باتت يده يعني في مكان طاهر من بدنه أو نجس فلما انتفى الوجوب لمانع في التعليل ثبتت السنية لأنها دون الوجوب اهـ وفيه أنه لا يصح الاحتجاج به على غسل اليدين قبل الوضوء فإن هذا ورد في غسل النجاسة وذاك سنة أخرى ثابتة بأحاديث أخرى يدلّ عليه ما ذكره الشافعى وغيره آنفا في سبب الحديث (وإذا) علمت أن سبب الحديث ما تقدم (عرفت) أن الاستدلال به على غسل اليدين قبل الوضوء ليس على ما ينبغى "فإن قيل" هذا قصر على السبب وهو مذهب مرجوح "قلنا" سلمنا عدم القصر على السبب لكن ليس في الحديث إلا نهى المستيقظ من نوم الليل أو مطلق النوم فهو أخص من الدعوى أعني مشروعية غسل اليدين قبل الوضوء مطلقا فلا يصلح للاستدلال به على ذلك، ونحن لا ننكر أن غسل اليدين قبل الوضوء من السنن الثابتة بالأحاديث الصحيحة إنما الكلام في الاستدلال بحديث الاستيقاظ على طلب غسل اليدين قبل الوضوء.
(فقه الحديث) دلّ الحديث على نهى المستيقظ من النوم عن غمس يده في الإناء قبل غسلها وهذا مجمع عليه وتقدم بيانه، وعلى أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ليس داخلا في ذلك الحكم لقوله أحدكم، وعلى أنه لا يطلب غسل اليد من نحو الغفلة، وعلى استحباب غسل النجاسة ثلاثا لأنه إذا أمر به في المتوهمة ففى المحققة أولى، وعلى أن النجاسة المتوهمة لا يكفي فيها الرشّ فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال حتى يغسلها ولم يقل حتى يغسلها أو يرشها وعلى طلب الاحتياط في العبادات ما لم يؤدّ إلى الوسوسة، وعلى استحباب استعمال ألفاظ الكنايات فيما يتحاشى التصريح به فإنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال لا يدرى أين باتت يده ولم يقل فلعل يده وقعت على دبره أو ذكره أو نجاسة أو نحو ذلك، وهذا إذا علم أن السامع يفهم بالكناية المقصود فإن لم يكن كذلك فلا بدّ من التصريح لينتفي اللبس والوقوع