للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مائتي درهم يحمل على درهم الوزن وهو الصنجة التي يوزن بها ويتركب منها المقادير التي فوقها كالأوقية والرطل والأقة، وبهذا تنضبط الأحكام فلا يمكن أن يدخلها اختلاف وإلا اضطربت وتناقضت، فدرهم الإِسلام الذي تقرر وأصبح غير مختلف فيه إنما هو درهم الوزن:

ويؤيده أن تقدير الشرع لنصاب الزكاة جاء بخمس أواق والأوقية اسم لصنجة الوزن لا لشيء من المسكوكات التي يتعامل بها، أما الدرهم الذي اختلف في زمن ضربه في الإِسلام وتقديره فهو درهم المعاملة. وهو قد يختلف جودة ورداءة كما تقدم. وبهذا العمل يتأتى الجمع بين الروايات المخلفة في مقدار الدرهم وزمن ضربه إذ لا ضرر في اختلاف وزن درهم المعاملة ولا في غشه وجودته بخلاف وزن الصنجة من الفضة فإنه لا يختلف باختلاف ضربها. فدرهم الوزن ومثقاله هما اللذان تقررت الأحكام على التقدير بهما سواء أوافقهما درهم المعاملة ومثقالها أم لا، ويؤيد ذلك أن الدرهم يطلق في جميع بلاد الإِسلام مرادًا به درهم الوزن. فيقال أعطني خمسين درهمًا لحمًا ومائة درهم خبزًا. وهو إطلاق سائغ شائع في اللغة والعرف.

إذا علمت ذلك يتبين لك أن الدرهم الذي قدر به نصاب الزكاة والديات والمهور وغيرها، هو درهم الوزن لا درهم المعاملة، لأنه فضلًا عن عدم تعلق الأحكام به من حيث هو ليس مشهورًا اليوم.

وأن تقدير بعض الفقهاء للدرهم بما قدروا به لا يمكن التعويل عليه إذ لم نصل به إلى الحقيقة لعدم ما قدروا به من جهة، وعدم اتفاقهم على تقديره من جهة أخرى مع اتفاقهم أن الدرهم واحد لا يختلف باختلاف المجتهدين.

قال النووي في شرح مسلم: والصحيح الذي يتعين اعتماده واعتقاده أن الدراهم المطلقة في زمن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كانت معلومة الوزن وهي السابقة إلى الأفهام عند الإطلاق وبها تتعلق الزكاة وغيرها من الحقوق والمقادير الشرعية. ولا يمنع من هذا كونه كان هناك دراهم أخرى أقل وأكثر من هذا القدر، فإطلاقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم محمول علي المفهوم وهو كل عشرة دراهم سبعة مثاقيل: وأجمع أهل العصر الأول فمن بعدهم عليه إلى يومنا هذا، ولا يجوز أن يجمعوا على خلاف ما كان في زمن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وخلفائه الراشدين اهـ

فيلزم أن يكون المراد بالدرهم الشرعي درهم الوزن المتعارف، قال العلامة الشيخ مصطفى الذهبي في رسالته التي حرر فيها الدرهم والمثقال: وأما الدرهم المتداول فدرهم شرعي كما امتحن بحب الخردل وبدرهم الملك قايتباي المختوم بختمه، ومنه يركب الرطل. وهو بالبغدادي مائة وثمانية وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم، وبالمصري مائة وأربعة وأربعون درهمًا. فيزيد عن البغدادي ثلاثة أخماس خمسه. فالقلتان بالبغدادى خمسمائة رطل، وبالمصرى أربعمائة وستة وأربعون رطلًا وثلاثة أسباع رطل اهـ

ويؤيده أن النووي حرر الرطل البغدادي مائة وثمانية وعشرين درهمًا وأربعة أسباع درهم، وكان تحريره بدرهم زمانه، ولم ينقل أن الدرهم تغير بعد

<<  <  ج: ص:  >  >>