وقال أبو حنيفة وأصحابه وزيد بن علي: إنما تجب على من يملك نصابًا من أنصبة الزكاة فاضلًا عن حوائجه الأصلية كمسكنه ومركبه وأثاث منزله. فلا فطرة عندهم على فقير لا يملك النصاب المذكور لحديث أبي هريرة أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال: لا صدقة إلا عن ظهر غنى. رواه أحمد وذكره البخاري في كتاب الوصايا من صحيحه معلقًا ولا غنى مع الحاجة.
(وأجابوا) عن حديث الباب بأنه ضعيف، لأنه من طريق النعمان بن راشد وقد ضعفه غير واحد وأكثر الروايات ليس فيها ذكر الفقير. وعلى فرض صحة الحديث فيحتمل أن يراد بالفقير فيه الفقير النسبي، وعليه فالحديث في الأغنياء فقط.
(ورد) بأن حديث "لا صدقة إلا عن ظهر غنى" المشهور في لفظه خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى كما سيأتي للمصنف في "باب الرجل يخرج من ماله، فهو لا ينافي طلبها من الفقير. وعلى فرض وروده بلفظ الحصر فهو معارض بالروايات الدالة على ترغيب الفقير في الصدقة مثل حديث "أفضل الصدقة جهد المقلّ" أخرجه الحاكم عن أبي هريرة مرفوعًا، وسيأتي للمصنف في الباب المذكور. وحديث "أفضل الصدقة سرّ إلى فقير وجهد من مقلّ" أخرجه الطبراني عن أبي أمامة. وحديث "سبق درهم مائة ألف. قالوا يا رسول الله وكيف؟ قال رجل له درهمان فأخذ أحدهما فتصدق به. ورجل له مال كثير فأخذ من عرض ماله مائة ألف فتصدق بها" رواه النسائي وابن حبان والحاكم وصححه عن أبي هريرة مرفوعًا. فالظاهر ما ذهب إليه الجمهور من وجوب الصدقة على الفقير الذي يجد زائدًا على ما يكفيه هو ومن يمونه يوم العيد وليلته. قال الخطابي: وفيه بيان أنهما تلزم الفقير إذا وجد ما يؤديه. ألا تراه يقول: وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطاه فقد أوجب عليه أن يؤديها عن نفسه مع إجازته له أن يأخذ صدقة غيره. وفي قوله ذكر أو أنثى. دليل لمن أسقط صدقة الزوجة عن الزوج لأنه في الظاهر إيجاب على المرأة فلا يزول الفرض عنها إلا بدليل. وهو مذهب أصحاب الرأى وسفيان الثوري. وقال مالك والشافعي وأحمد وإسحاق يخرج الزوج عن زوجته لأنه يمونها. وقد يروي فيه عن جعفر بن محمَّد عن أبيه أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال عمن تمونون.
قلت إن صح قوله عمن تمونون. وإلا فلا يلزمه ذلك عن زوجته اهـ
وفي الحديث أيضًا دليل على أنها تجب عن الصغيركالكبير وهو قول الجمهور. وقال محمَّد بن الحسن لا تجب صدقة الفطر في مال الصغير ولو غير يتيم. وعن عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنها إنما تجب على من أطاق الصوم
(والحديث) أخرجه أيضًا الطحاوي. وكذا أحمد بلفظ أدّوا صاعًا من قمح أو صاعًا من بر "شك حماد" عن كل اثنين صغير أو كبير. وأخرجه الدارقطني من طريق إسحاق بن أبي إسراءيل عن حماد بسنده مرفوعًا بلفظ "أدوا صدقة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير أو نصف صاع من بر عن كل صغير أو كبير ذكر أو أنثى حر أو عبد" وأخرجه عبد الرزاق والطبراني. وأخرجه