به. وهمه المؤمن الإقبال على الدار الآخرة فإذا عرض له ما يشغله عن الله تعالى اشتد همه فيلجأ عند ذلك لقراءة القرآن فينفرج عنه ما نزل به. ونقل ابن الجوزي عن الشافعي أن المراد بالتغني التحزن في القراءة. قال في الفتح والذي نقله عن الشافعي لم أره صريحًا عنه في تفسير الخبر وإنما قال في مختصر المزني وأحب أن يقرأ حدرًا وتحزينًا اهـ
وقال أهل اللغة حدرت القراءة أدرجتها ولم أمططها، وقرأ فلان تحزينًا إذا رقق صوته وصيره كصوت الحزين. وقد روى ابن أبي داود بإسناد حسن عن أبي هريرة أنه قرأ سورة فحزنها مثل الرثى. وأخرجه أبو عوانه عن الليث ابن سعد قال: يتغنى به يتحزن به ويرقق به قلبه اهـ كلام الفتح.
وهناك تفاسير أخر للتغني وأقربها أن المراد به تحسين الصوت من غير إخلال بشيء من الحروف لما تقدم، ورجح التوربشتي معنى الاستغناء وقال المعنى ليس من أهل سنتنا وممن تبعنا في أمرنا وهو وعيد، ولا خلاف بين الأمه أن قارئ القرآن مثاب على قراءته مأجور وإن لم يحسن صوته فكيف يحمل على كونه مستحقًا للوعيد وهو مثاب مأجور اهـ
وكذلك رجحه الطحاوي. قال في الفتح أما تحسين الصوت وتقديم حسن الصوت على غيره فلا نزاع في ذلك والذي يتحصل من الأدله أن حسن الصوت بالقراءة مطلوب فإن لم يكن حسنًا فليحسنه ما استطاع اهـ
(وفي الحديث) دلالة على مشروعية تحسين الصوت بالقراءة وهذا متفق عليه كما ذكره الحافظ. أما القراءة بالألحان والتطريب فكرهها مالك والأكثر لأنها خارجة عما وضع القرآن له من الخشوع والتحزن والتدبر، وأجازها أبو حنيفه وجمع من السلف للأحاديث ولأن ذلك سبب للرقه وإثارة الخشية إقبال النفوس على استماعه. قال في الفتح وكان بين السلف خلاف في جواز القراءة بالألحان: فحكى عبد الوهاب المالكي عن مالك تحريم القراءة بالألحان، وحكاه أبو الطيب الطبري والماوردي وابن حمدان الحنبلي عن جماعة من أهل العلم، وحكى ابن بطال وعياض والقرطبي من المالكية والماوردي والبندنيجي والغزالي من الشافعية وصاحب الذخيرة من الحنفية الكراهه، وحكاه أبو يعلى وابن عقيل من الحنابلة. وحكى ابن بطال عن جماعة من الصحابة والتابعين الجواز وهو المنصوص للشافعي ونقله الطحاوي عن الحنيفه، وقال الفوراني من الشافعية يجوز بل يستحب. ومحل هذا الاختلاف إذا لم يخل بشئ من الحروف بإخراجه عن مخرجه، فلو أخل بشيء منها فقد أجمعوا على تحريمه كما قال النووي في التبيان: أجمع العلماء على استحباب تحسين الصوت بالقران ما لم يخرج عن حد القراءة بالتمطيط، فإن خرج حتى زاد حرفًا أو أخفاه حرم. قال وأما القراءة بالألحان فقد نص الشافعي في موضوع على كراهته وقال في موضع آخر لا بأس به، فقال أصحابه ليس على اختلاف قولين بل على اختلاف حالين، فإن لم يخرج بالألحان عن المنهج القويم جاز وإلا حرم. وحكى الماوردي عن الشافعي أن القراءة