في إناء أحدكم فليغسله سبعا، وفي رواية فليرقه ثم ليغسله سبعا، فإن الأمر بالغسل والإراقة دليل النجاسة، ولحديث لا يبولنّ أحدكم في الماء الدائم، رواهما المصنف، ولحديث القلتين، ولحديث استفت قلبك وإن أفتاك المفتون، عند أحمد وأبى يعلى والطبراني وأبى نعيم مرفوعا. ولحديث دع ما يريبك إلى ما لا يريبك أخرجه النسائي وأحمد وصححه ابن حبان والحاكم والترمذي من حديث الحسن بن على. قالوا فحديث الماء طهور لا ينجسه شئ مخصص بهذه الأدلة، واختلفوا في حدّ القليل الذي يجب اجتنابه عند وقوع النجاسة فيه، فقيل ما ظن استعمالها باستعماله، وإليه ذهب أبو حنيفة والمؤيد بالله وأبو طالب، وقيل ما دون القلتين على اختلاف في قدرهما، وإليه ذهب الشافعى وأصحابه والناصر والمنصور بالله. وأجاب القائلون بأن القليل لا يتنجس بالملاقاة للنجاسة إلا إن تغير بأن ما استدلوا به من الأحاديث لا يدلّ دلالة جازمة على مدّعاهم، وعلى فرض أنها تدلّ فهى محمولة على ما إذا تغير أحد أوصاف الماء جمعا بين الأدلة وبأن الاستدلال بهذه الأحاديث على ظنّ استعمال النجاسة باستعمال ذلك الماء موجب للدور لأنه لا يعرف القليل إلا بظنّ الاستعمال ولا يكون ذلك الظن إلا بمعرفة القلة، على أن الظن لا ينضبط بل يختلف باختلاف الأشخاص. وأيضا جعل ظن الاستعمال مناطا يستلزم استواء القليل والكثير، وأجابوا عن حديث القلتين بأنه مضطرب الإسناد والمتن كما تقدم، وعلى تسليم صحته فلا معارضة أيضا بينه وبين حديث الباب لأن ما بلغ مقدار القلتين فصاعدا لا يحمل الخبث ولا ينجس بملاقاة النجاسة إلا إن تغير أحد أوصافه فنجس إجماعا فيخص بهذا الإجماع حديث القلتين وعموم حديث الباب، أما ما دون القلتين فإن تغير خرج عن الطهارة بالإجماع وبمفهوم حديث القلتين وإن لم يتغير بأن وقعت فيه نجاسة لم تغيره فحديث الباب يدلّ بعمومه على عدم خروجه عن الطهارة لمجرّد ملاقاة النجاسة وحديث القلتين يدلّ بمفهومه على خروجه عن الطهورية بملاقاتها والمنطوق مقدّم على المفهوم. قال في الروضة الندية قد دلّ حديث القلتين على أن الماء إذا بلغ قلتين لم يحمل الخبث وإذا كان دون القلتين فقد يحمل الخبث ولكنه كما قيد حديث الماء طهور لا ينجسه شئ بتلك الزيادة التي وقع الإجماع عليها كذلك يقيد حديث القلتين بها فيقال إنه لا يحمل الخبث إذا بلغ قلتين في حال من الأحوال إلا في حال تغير بعض أوصافه بالنجاسة فإنه حينئذ قد حمل الخبث بالمشاهدة وضرورة الحسّ فلا منافاة بين حديث القلتين وبين تلك الزيادة المجمع عليها، وأما ما كان دون القلتين فهو مظنة لحمل الخبث وليس فيه أنه يحمل الخبث قطعا وبتا ولا أن ما يحمله من الخبث يخرجه عن الطهورية لأن الخبث المخرج عن الطهورية هو خبث خاصّ وهو الموجب لتغير أحد أوصافه أو كلها لا الخبث الذى لم يغير (وحاصله) أن ما دلّ عليه مفهوم حديث القلتين من أن ما دونهما قد يحمل الخبث لا يستفاد منه