(أحدهما) تأويل مالك وغيره بأن معناه تنزل رحمته وأمره أو ملائكته كما يقال فعل السلطان كذا إذا فعله أتباعه بأمره
(ثانيهما) أنه على الاستعارة ومعناه الاقبال على الداعي بالإجابة واللطف اهـ بتصرف.
وقال في شرح المرقاة بعد ذكر كلام النووي وبكلامه وبكلام الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وإمام الحرمين والغزالي وغيرهم من أئمتنا يعلم أن المذهبين متفقان على صرف تلك الظواهركالمجيء والصورة والشخص والرجل والقدم واليد والوجه والغضب والرحمة والاستواء على العرش والكون في السماء وغير ذلك مما يفهم ظاهره ما يلزم عليه من محالات قطعية البطلان تستلزم أشياء يحكم بكفر معتقدها بالاجماع فاضطر ذلك جميع الخلف والسلف إلى صرف اللفظ عن ظاهره. وإنما اختلفوا هل نصرفه عن ظاهره معتقدين اتصافه سبحانه بما يليق بجلاله وعظمته من غير أن نؤوله بشيء آخر. وهو مذهب أكثر السلف. وفيه تأويل إجماليّ. أو مع تأويله بشئ آخر وهو مذهب أكثر الخلف وهو تأويل تفصيلي، ولم يريدوا بذلك مخالفة السلف الصالح، معاذ الله أن يظن بهم ذلك، وإنما دعت الضرورة في أزمنتهم لذلك لكثرة المجسمة والجهمية وغيرهما من فرق الضلال واستيلائهم على عقول العامة فقصدوا بذلك ردعهم وبطلان قولهم، ومن ثم اعتذر كثيرٌ منهم وقالوا لو كنا على ما كان عليه السلف الصالح من صفاء العقائد وعدم المبطلين في زمنهم لم نخض في تأويل شيء من ذلك. وقد علمت أن مالكًا والأوزاعي وهما من كبار السلف أولًا الحديث تأويل تفصيليًا.
وكذلك سفيان الثوري أول الاستواء على العرش بقصد أمره، ونظيره ثم استوى إلى السماء أي قصد إليها. ومنهم الإمام جعفر الصادق. بل قال جمع منهم ومن الخلف إن معتقد الجهة كافر كما صرح به العراقي وقال إنه قول لأبي حنيفة ومالك والشافعي والأشعري والباقلاني. وقد اتفق سائر الفرق على تأويل آيات. (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ). (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ) الآية، (فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ). (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ). وأحاديث قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن، والحجر الأسود يمين الله في الأرض ونحوها. وهذا الاتفاق يبين لك صحة ما اختاره المحققون أن الوقف على الراسخون في العلم لا الجلالة، قلت الجمهور على أن الوقف على إلا الله، وعدوه وقفا لازمًا، وهو الظاهر لأن المراد بالتأويل معناه الذي أراده الله تعالى، وهو في الحقيقة لا يعلمه إلا الله جل جلاله ولا إله غيره، وكل من تكلم فيه تكلم بحسب ما ظهر، ولم يقدر أحد أن يقول إن هذا التأويل هو مراد الله جزمًا، ففي التحقيق الخلاف لفظي، ولهذا اختار كثير من محققي المتأخرين عدم تعيين التأويل في شيء معين من الأشياء التي تليق باللفظ ويكلون تعيين المراد بها إلى علمه تعالى، وهذا توسط بين المذهببن وتلذذ بين المشربين، واختار ابن دقيق العيد توسطًا آخر، فقال إن كان التأويل من