للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطلب ما يحتاجه منه فإن ذلك من عادة المشركين. وفي الحديث الصحيح إذا سألت فأسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله رواه الترمذي. وقد يفضي ذلك إلى ما كانت عليه الأمم السابقة من عبادة الأوثان.

وفي المنع من ذلك بالكلية قطع لهذه الذريعة المؤدية إلى فساد العقيدة، وهو المناسب لحكمة مشروعية الأحكام من جلب المصالح ودرء المفاسد. وليحذر أيضًا مما يقع من بعض من لا خلاق لهم من اعتقادهم في قبور الصالحين والأولياء وبعض الأشجار والأبواب أنها تنفع أو تضر أو تقرب إلى الله تعالى أو تقضي الحوائج بمجرد التشفع بها إلى الله تعالى، فإن من فعل ذلك فقد أشرك بالله تعالى واعتقد ما لا يحل اعتقاده كما اعتقد المشركون في الأوثان فإنهم يعاملونها معاملة المشركين للأصنام، ويطوفون بها طواف الحجاج بيت الله الحرام ويخاطبون الميت بالكلمات المكفرة كقولهم "اقصم ظهره يا سيد وخذ عمره وتصرف فيه يا إمام" ويهتفون بأسمائهم عند الشدائد، ولكل جهة رجل ينادونه، فأهل مصر يدعون الشافعي والرفاعي والبدوي والبيومي. وأهل العراق والهند والشام يدعون عبد القادر الجيلي، وأهل مكة والطائف يدعون ابن عباس، وينذرون لهم النذور ويذبحون لهم الذبائح، ويوقدون لهم السرج ويضعون الدراهم في صناديقهم، ولا ريب أن هذا من أعمال الجاهلية ومخالف لدين الله تعالى ورسوله وما كان عليه سلفنا الصالح رضي الله تعالى عنهم.

ولو عرف الناذر بطلان ذلك ما أخرج درهمًا فإن الأموال عزيزة عند أهلها قال تعالى "وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ" فالواجب على كل عاقل تحذير من يفعل ذلك لأنه إضاعة للمال ولا ينفعه ما يخرجه ولا يدفع عنه ضررًا، بل فيه المخالفة والمحاربة لله تعالى ورسوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم، ويجب رد المال إلى من أخرجه، وقبضه حرام لأنه أكل مال الناذر بالباطل، وقد قال تعالى "وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ" وفيه تقرير للناذر علي قبح اعتقاده وشنيع مخالفته فهو كحلوان الكاهن ومهر البغيّ، ولأنه تدليس من هؤلاء القوم وإيهام له أن الولى ينفعه ويضره فأي تقرير لمنكر أشد من قبض النذر علي الميت وأي تدليس أعظم من هذا؟

قال الإِمام محمَّد ابن إسماعيل الصنعاني صاحب سبل السلام في رسالته "تطهير الاعتقاد من أدران الإلحاد" بعد كلام جليل طويل في هذا الموضوع "فإن قلت" هذا أمر عم البلاد واجتمعت عليه سكان الأغوار والأنجاد، وطبق الأرض شرقًا وغربًا، ويمنًا وشامًا وجنوبًا وشمالًا، بحيث لا بلدة من بلاد الإِسلام ولا قرية من قراه إلا وفيها قبور ومشاهد، وأحياء يعتقدون فيها ويعظمونها وينذرون لها ويهتفون بأسمائها، ويحلفون بها ويطوفون بفناء القبور ويسرجونها ويلقون عليها الورد والرياحين ويلبسونها الثياب. ويصنعون كل أمر يقدرون عليه من العبادة لها وما في معناها من التعظيم والخشوع والتذلل والافتقار إليها، بل هذه مساجد المسلمين غالبًا لا تخلو عن قبر

<<  <  ج: ص:  >  >>