(ش) غرض المصنف من سياق هذه الرواية بيان أن شعبة ذكر في روايته عن إسماعيل أوّلا القراءة ثم الهجرة ثم السنّ ولم يذكر علم السنة. وأما سليمان بن مهران الأعمش عن إسماعيل فخالف شعبة لأنه ذكر أولا القراءة ثم العلم بالسنة ثم تقدم الهجرة ولم يذكر أقدمهم قراءة. ورواية الأعمش رواها مسلم بلفظ قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما ولا يؤمنّ الرجل الرجل في سلطانه ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه وكذا رواها الترمذى والنسائى والبيهقى وابن حبان في صحيحة والحاكم في مستدركه إلا أن الحاكم قال بدل فأعلمهم بالسنة فأفقههم فقها فإن كانوا في الفقه سواء فأكبرهم سنا (وهذا الحديث) يدلّ بظاهره على أنه يقدّم الأقرأ في الإمامة على الأفقه. وإلى ذلك ذهب الأحنف بن قيس وابن سيرين والثورى وأبو يوسف وأحمد (وقال مالك) والشافعى والأوزاعى وعطاء وأكثر الحنفية والجمهور يقدّم الأفقه على الأقرإ لأن الذى يحتاج إليه من الفقه غير مضبوط والذى يحتاج إليه من القراءة مضبوط وقد يعرض في الصلاة أمر لا يقدر على مراعاة الصواب فيه إلا كامل الفقه (وأجابوا) عن الحديث بأن الأقرإ من الصحابة كان الأفقه ولهذا قدّم النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أبا بكر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ في الصلاة على الباقين مع أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم نصّ على أن غيره أقرأ منه (وقال) الشافعى المخاطب بذلك الذين كانوا في عصره صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لأن أقرأهم كان أفقههم فإنهم كانوا يسلمون كبارا ويتفقهون قبل أن يقرءوا فلا يوجد قارئ فيهم إلا وهو فقيه وقد يوجد الفقيه وهو ليس بقارئ اهـ (وقال مالك) يتقدّم القوم أعلمهم فقيل له أقرؤهم فقال قد يقرأ من لا يرضى اهـ (وقال) الأوزاعي يؤمّ القوم أفقههم (وقال) الشافعى إذا لم تجتمع القراءة والفقه والسنّ في واحد فقدّموا أفقههم إذا كان عنده من القرآن ما يتقن به الصلاة وإن قدّموا أقرأهم إذا كان يعلم من الفقه ما يلزمه في الصلاة فحسن اهـ (وقال) أبو ثور يؤمهم أفقههم إن كان يقرأ القرآن وإن لم يقرأه كله اهـ (وقال) الخطابى جعل صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ملاك الأمر في الإمامة القراءة وجعلها مقدّمة على سائر الخصال المذكورة. والمعنى في ذلك أنهم كانوا قوما أميين لا يقرءون فمن تعلم منهم شيئا من القرآن كان أحق بالإمامة ممن لم يتعلمه لأنه لا صلاة إلا بقراءة وإذا كانت القراءة من ضرورة الصلاة وكانت ركنا من أركانها صارت مقدّمة في الترتيب على الأشياء الخارجة عنها ثم تلا القراءة بالسنة وهى الفقه ومعرفة أحكام الصلاة وما سنه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيها وبينه من أمرها فإن الإمام إذا كان جاهلا بأحكام الصلاة ربما يعرض فيها من سهو ويقع من زيادة ونقصان أفسدها أو أخدجها فكان العالم بها والفقيه فيها مقدّما على