للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وعلى الجملة) فالأدلة ثابتة في صلاة الجنازة على القبر ثبوتًا لا يقابله أهل العلم إلا بالقبول سواء في ذلك من صلى عليه ومن لم يصل عليه. وليس للمانعين من الصلاة على القبر دليل ناهض. ولا ينافي ما ذكر حديث لا تجسلوا على القبور ولا تصلوا إليها رواه مسلم والترمذي والبيهقي عن أبي مرثد الغنوي وسيأتي في (باب في كراهية القعود على القبر) فإن المراد منه الصلاة ذات الركوع والسجود بخلاف هذه فليست منهيًا عنها لفعله صلى الله عليه وآله وسلم إياها وإقراره الصحابة على فعلها معه صلى الله عليه وآله وسلم.

قال في إعلام الموقعين: ردت هذه السنن المحكمة بالمتشابه من قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها" وهذا حديث صحيح، والذي قاله هو الذي صلى على القبر فهذا قوله وهذا فعله ولا يناقض أحدهما الآخر فإن الصلاة المنهي عنها إلى القبر غير الصلاة التي على القبر فهذه صلاة الجنازة على الميت التي لا تختص بمكان بل فعلها في غير المسجد أفضل من فعلها فيه، فالصلاة عليه على قبره من جنس الصلاة عليه على نعشه فإنه المقصود بالصلاة في الموضعين ولا فرق بين كونه على النعش وعلى الأرض وبين كونه في بطنها بخلاف سائر الصلوات فإنها لم تشرع في القبور ولا إليها لأنها ذريعة إلى اتخاذها مساجد، وقد لعن رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم من فعل ذلك "فأين" ما لعن فاعله وحذر منه وأخبر أن أهله شرار الخلق كما قال إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون القبور مساجد "إلى ما فعله" مرارًا متكررة وبالله تعالى التوفيق اهـ

وقال ابن حزم الصلاة جائزة على القبر وإن كان قد صلى علي المدفون فيه وساق الأدلة الدالة على الجواز ورد على من ادعى الخصوصية بنحو ما تقدم وعلى من حدد مدة جواز الصلاة بشهر أو ثلاثة أيام بقوله أما تحديد الصلاة بشهر أو ثلاثة أيام فخطأ لأنه تحديد بلا دليل اهـ.

أقول ولا فرق بين من حدد بهذا أو غيره أيضًا (وقال في الهدى) كان من هديه صلى الله عليه وآله وسلم إذا فاتته الصلاة على الجنازة صلى على القبر فصلى مرة على قبر بعد ليلة ومرة بعد ثلاث ومرة بعد شهر ولم يوقت في ذلك وقتًا اهـ

(فقه الحديث) دلّ الحديث على كمال تواضعه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم. وعلى الرفق بأمته وتفقد أحوالهم والقيام بحقوقهم والاهتمام بمصالحهم في دنياهم وأخراهم. وعلى الاعتناء بشأن المساجد وتنظيفها. وعلى الحث على شهود جنائز أهل الخير. وعلى مشروعية الإعلام بالموت. وعلى مشروعية الصلاة على القبر لمن لم يصل على الميت قبل الدفن وتقدم بيانه

(والحديث) أخرجه أيضًا البخاري ومسلم وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي

<<  <  ج: ص:  >  >>