حبان والحاكم من حديث فضالة بن عبيد مرفوعًا (الله اشتد أذنا "أي استماعا" للرجل الحسن الصوت بالقران من صاحب القينه إلى قينته) والقينه المغنية. وروى ابن أبي شيبة من حديث عقبة بن عامر رفعه (تعلموا القرآن وغنوا به وأفشوه) كذا وقع عنده. والمشهور عند غيره في الحديث وتغنوا به. والمعروف في كلام العرب أن التغني الترجيح. بالصوت كما قال حسان
تغن بالشعر أما أنت قائله *** إن الغناء بهذا الشعر مضمار
قال ولا نعلم في كلام العرب تغنى بمعنى استغنى ولا في أشعارهم. وإنكار الطبري ورود تغنى بمعنى استغنى في كلام العرب مردود بما تقدم ومن حفظ حجة على من لم يحفظ. وفي الجهاد في حديث الخيل, ورجل ربطها تعففًا وتغنيًا, وهذا من الاستغناء بلا ريب, لأن المراد بقوله تغنيًا فيه أنه يطلب بها الاستغناء عن الناس بقرينه قوله تعففًا وبالجمله تفسير ابن عيينة التغني بالاستغناء ليس بمدفوع. وإن كان ظواهر الأخبار ترجح أن المراد به تحسين الصوت. ويؤيده قوله يجهر به "أي المذكور في بعض الروايات" فإن كانت مرفوعة قامت الحجة, وإن كانت غير مرفوعة فالراوي أعرف بمعنى الخبر من غيره ولا سيما إذا كان فقيهًا. وجزم الحليمي بأنها من قول أبي هريرة والعرب تقول سمعت فلانًا يتغنى بكذا أي يجهر به والحاصل أنه يمكن الجمع بين أكثر التأويلات المذكورة وهو أنه يحسن به صوته جاهرًا به مترنمًا على طريق التحزن مستغنيًا به عن غيره من الأخبار طالبًا به غنى النفس راجيًا به غنى اليد اهـ بتصرف ومما يرجح كون التغني بمعنى تحسين الصوت ما ذكره المصنف بقوله
و(ابن الهاد) يزيد بن عبد الله بن أسامة تقدم بالثالث ص ١٧٤
(قوله ما أذن الله لشيء الخ) أي ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبي يحسن صوته بالقراءة: يقال أذن يأذن اذنًا بفتح الهمزه والذال استمع , وهو كناية عن رضا الله تعالى عنه وقبول عمله ومضاعفة الثواب له. وأما الاستماع الحقيقي الذي هو الإصغاء بالأذن فمحال عليه تعالى لأنه شأن من يختلف سماعه بكثره التوجه وقلته, وسماعه تعالى لا يختلف ولا يشغله