ودعوى نسخ الآية غير مسلمة لأنها من الأخبار والنسخ لا يجري في الخبر وجعل اللام في للإنسان بمعنى على بعيد من ظاهر الآية وسياقها لأنها عظة لمن تولى وأعطى قليلًا وأكدى قال مجاهد وابن زيد نزلت في الوليد بن المغيرة: كان قد سمع قراءة رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم وجلس إليه ووعظه فقرب من الإِسلام وطمع فيه رسول الله صلى الله تعالى وعلى آله وسلم ثم إنه عاتبه رجل من المشركين وقال له أتترك ملة آبائك؟ ارجع إلى دينك واثبت عليه وأنا اتحمل عنك كل شيء تخافه في الآخرة لكن على أن تعطيني كذا وكذا من المال فوافقه الوليد على ذلك ورجع عما هم به من الإِسلام وضل ضلالًا بعيدًا وأعطى بعض المال لذلك الرجل ثم أمسك عنه وشح اهـ
وقد اختلف في وصول ثواب القراءة للميت: فإن كانت بغير أجر. فذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد إلى أنه ينتفع بها إذا أديت بخشوع ووقار. قال العلامة الزيلعي في باب الحج عن الغير من شرح الكنز: إن الإنسان له أن يجعل ثواب عمله لغيره عند أهل السنة والجماعة صلاة كان أو صومًا أو حجا أو صدقه أو قراءة قرآن أو أذكار إلى غير ذلك من جميع أنواع البر ويصل ذلك إلى الميت وينفعه. وقالت المعتزلة ليس له ذلك ولا يصل إليه ولا ينفعه لقوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) اهـ
وقد علمت أن الآية لا تنافي انتفاع الميت بعمل غيره فلا تصح دليلًا للمعتزلة.
قال ابن القيم في كتاب الروح أفضل ما يهدى إلى الميت العتق والصدقة والاستغفار والدعاء له والحج عنه, وأما قراءة القرآن وإهداؤها له تطوعًا بغير أجره يصل إليه كما يصل ثواب الصوم والحج والمشهور عن مالك والشافعي أن ثوابها لا يصل إلى الميت أخذًا بعموم قوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) قال ابن كثير: ومن هذه الآية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله تعالى ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداء ثوابها إلى الموتى لأنه ليس من عملهم ولا كسبهم ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أمته ولا حثهم عليه ولا أرشدهم إليه بنص ولا إيماء ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولو كان خيرًا لسبقوا إليه, وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الأقيسة والأراء, فأما الدعاء والصدقة فذاك مجمع على وصولهما ومنصوص من الشارع عليهما
"وأما الحديث" الذي رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم" إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث من ولد صالح يدعو له أو صدقه جارية من بعده أو علم ينتفع به""فهذه الثلاثه" في الحقيقة من سعيه وكده وعمله كما جاء في الحديث "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه" والصدقة الجارية كالوقف ونحوه من آثار عمله ووقفه وقد قال تعالى (إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم) الآية والعلم الذي نشره في الناس فاقتدى به الناس بعده هو أيضًا