للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهو مخلوق أم غير مخلوق فمن أجاب بخلقه فخلّ سبيله ومن لم يجب فاحمله إلينا فأجاب إلى خلقه جماعة وامتنع آخرون وكان ممن امتنع أحمد بن حنبل رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فحمل إلى المأمون مسلسلا بالقيود قال أحمد بن عسان لما حملت مع أحمد بن حنبل إلى المأمون تلقانا الخادم وهو يبكي ويقول عزّ علىّ يا أبا عبد الله ما نزل بك قد جرّد أمير المؤمنين سيفا لم يجرّده قط وبسط نطعا لم يبسطه قط ثم قال وقرابتى من رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لارفعت السيف عن أحمد وصاحبة حتى يقولا القرآن مخلوق فجثا أحمد على ركبتيه ولحظ السماء بعينيه ودعا فما مضى الثلث الأول من الليل إلا ونحن بصيحة وضجة فأقبل علينا خادمه وهو يقول صدقت يا أحمد القرآن كلام الله غير مخلوق قد مات والله أمير المؤمنين. وكان قد لقيه قبل أن يدخل المدينة رجل من العباد فقال احذر يا أحمد أن يكون قدومك مشئوما على المسلمين فإن الله تعالى قد رضى بك لهم وافدا والناس إنما ينظرون إلى ما تقول فيقولون به فقال أحمد حسبنا الله ونعم الوكيل. وقال الربيع بن سليمان إن الشافعى قال يا ربيع خذ كتابى هذا فامض به وسلمه إلى أبى عبد الله وأتنى بالجواب قال الربيع فدخلت بغداد ومعى الكتاب فصادفت أحمد في حنبل في صلاة الصبح فلما انفتل من المحراب سلمت إليه الكتاب وقلت هذا كتاب أخيك الشافعى من مصر فقال لى أحمد نظرت فية فقلت لا فكسر الختم فقرأ وتغرغرت عيناه فقلت (إيش) فيه أبا عبد الله فقال يذكر فيه أنه رأى النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في النوم فقال له اكتب إلى أبى عبد الله فاقرأ عليه السلام وقل له إنك ستمتحن وتدعى إلى خلق القرآن فلا تجبهم فيرفع الله لك علما إلى يوم القيامة قال الربيع فقلت له البشارة يا أبا عبد الله فخلع أحد قميصيه الذى يلى جسده فأعطانيه فأخذت الجواب وخرجت إلى مصر وسلمته إلى الشافعى فقال (إيش) الذى أعطاك فقلت قميصه فقال لست أفجعك فيه ولكن بله وادفع إليّ الماء أتبرّك به. ولما سجنوه وضعوا في رجليه أربعة قيود. وكان ابن أبى دؤاد هو الذى تولى جدال أحمد عن الخليفة وقال للخليفة إن أحمد ضال مبتدع ثم يلتفت إلى أحمد ويقول له قد حلف الخليفة أن لا يقتلك بالسيف وإنما هو ضرب بعد ضرب إلى أن تموت فما زالوا بأحمد رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ يناظرونه بالليل والنهار إلى أن ضجر الخليفة فلما طال بهم الحال قال ابن أبى دؤاد يا أمير المؤمنين اقتله ودمه في أعناقنا فرفع الخليفة يده ولطم بها وجه أحمد فخرّ مغشيا عليه فخاف الخليفة على نفسه ممن كان من الشيعة مع أحمد فدعا بماء فرش منه على وجه أحمد ولما قدم إلى السياط أغاثه الله تعالى برجل يقال له أبو الهيثم العيار فوقف عنده وقال يا أحمد أنا فلان اللص ضربت ثمانية عشر ألف سوط لأقرّ فما أقررت وأنا أعرف أنى على الباطل فاحذر أن تتقلق وأنت على الحق من حرارة السوط فكان أحمد كلما أوجعه الضرب تذكر كلام اللص. وقال الفضيل بن عياض حبس الإمام

<<  <  ج: ص:  >  >>