هذا كله فيمن لم يفرّط في صلاته بل احتاط وصلى إلى سترة أو في مكان يأمن فيه من المرور بين يديه اهـ (واستنبط) ابن أبى جمرة من قوله فإنما هو شيطان أن المراد بالمقاتلة المدافعة اللطيفة لا حقيقة القتال لأن مقاتلة الشيطان إنما هى بالاستعاذة والتستر عنه بالتسمية ونحوها وإنما جاز الفعل اليسير للضرورة فلو قاتله حقيقة المقاتلة لكان أشد على صلاته من المار اهـ وهل الأمر بالمقاتلة لخلل يقع في صلاة المصلى من المرور أو لدفع الإثم عن المارّ. استظهر الثاني ابن أبى جمرة. واستظهر غيره الأول قال لأن إقبال المصلى على صلاته أولى من اشتغاله بدفع الإثم عن غيره. وهذا هو الأقوى "فقد روى" ابن أبى شيبة عن ابن مسعود أن المرور بين يدى المصلى يقطع نصف صلاته، وروى أبو نعيم عن عمر لو يعلم المصلى ما ينقص من صلاته بالمرور بين يديه لما صلى إلا إلى شيء يستره من الناس، فهذان الأثران مقتضاهما أن الدفع لخلل يتعلق بصلاة المصلى وهما وإن كانا موقوفين فحكمهما حكم الرفع لأن مثلهما لا يقال من قبل الرأى ويرد على الأول مرور الصبي فإنه لا إثم عليه لعدم تكليفه (وذهبت) الحنفية إلى أن الأفضل عدم دفع المار بين يدى المصلى (قال في البدائع) ولنا قول النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن في الصلاة لشغلا يعنى في أعمال الصلاة والقتال ليس من أعمال الصلاة فلا يجوز الاشتغال به وحديث أبى سعيد كان في وقت كان العمل في الصلاة مباحا "أى ثم نسخ قال" ومن المشايخ من قال إن الدّرء رخصة والأفضل أن لا يدرأ لأنه ليس من أعمال الصلاة وكذلك روى إمام الهدى الشيخ أبو منصور عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن الأفضل أن يترك الدرء والأمر بالذرء في الحديث لبيان الرخصة كالأمر بقتل الأسودين اهـ (وما قالوه) من أن الدفع ليس من أعمال الصلاة تعليل في مقابلة النص. ودعوى النسخ لا تثبت إلا بدليل ولا دليل فالراجح القول بأفضلية الدفع لقوة أدلته
(قوله فإنما هو شيطان) أى من شياطين الإنس أو الجن أو فعله فعل شيطان لا شيطان حقيقة (وقال ابن بطال) في هذا جواز إطلاق لفظ الشيطان على ما يفتن في الدين وأن الحكم للمعانى دون الأسماء لاستحالة أن يصير المارّ شيطانا بمجرد مروره اهـ وقول ابن بطال مبنى على أن لفظ الشيطان يطلق حقيقة على الجني ومجازا على الإنسي وفي هذا خلاف، والصحيح إطلاق الشيطان على الإنسي وقد جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى "وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًّا شياطين الإنس والجن" الآية. ويحتمل أن الحامل له على المرور الشيطان. يؤيده ما رواه مسلم عن ابن عمر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم قال إذا كان أحدكم يصلى فلا يدع أحدا يمر بين يديه فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين
(فقه الحديث) دلّ الحديث على مشروعية دفع المصلى من يمر بين يديه. ومحله ما إذا اتخذ له سترة ولم يتعدّ. أما إذا لم يتخذ سترة أو تعدى كأن وقف في طريق فليس له الدفع ولا حرج على المارّ