فيمتنع عليهم الترخص في استعمال الحجر فيلزم الحرج وهو مرفوع لقوله تعالى (وما جعل عليكم في الدين من حرج) أو المراد السنة المؤكدة وإلا فالاستنجاء بالماء مستحب بلا خلاف. والأصل في السنة الطريقة والسيرة، وفى عرف الشرع يراد بها ما أمر به النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أو نهى عنه أو ندب إليه قولا أو فعلا مما لم يأت به الكتاب العزيز، وقد يراد بها المستحب سواء دلّ عليه كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس ومنه سنن الصلاة، وقد يراد بها ما واظب عليه النبى صلى الله تعالى وعلى آله وسلم مما ليس بواجب، ومن الأول حديث الباب، ويحتمل الثالث أى لو فعلته مرّة للزمنى المواظبة عليه لأنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان إذا عمل عملا داوم عليه. والتحقيق أن المراد هنا المعنى الأول فيحتمل على الوجوب. قال المناوى في فتح القدير وما ذكر من حمله الوضوء على المعنى اللغوى هو ما فهمه أبو داود وغيره وبوّبوا عليه وهو مخالف للظاهر بلا ضرورة والظاهر كما قاله العراقى حمله على الشرعي المعهود فأراد عمر رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أن يتوضأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عقب الحدث فتركه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم تخفيفا وبيانا للجواز، ولا يقال قوله ولو فعلت الخ يقتضى أن الوضوء عقب الحدث ليس بسنة لكونه لم يفعله مع أنه سنة بدليل قوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم لبلال لما قال ما أحدثت قط إلا توضأت بهذا بلغت "الحديث" لأنا نقول ليس المراد بالسنة هنا ما هو مصطلح الفقهاء بل المراد بها الواجب فمعناه لو فعلت ذلك الوضوء عقب الحدث لواظبت عليه ولو واظبت عيه لزم الأمة اتباعي اهـ لكن يلزم على حمل الوضوء على الشرعي أن يكون الحديث مناسب للترجمة فالأولى حمله على الوضوء اللغوى كما فهم المصنف فإنه المتبادر من ذهاب عمر بالماء خلف النبى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إلى محل قضاء الحاجة (فقه الحديث) دلّ الحديث على جواز القرب من قاضى الحاجة لتقديم ما يحتاج إليه، وعلى مشروعية خدمة أهل الفضل وإن كان الخادم كاملا ولا يعدّ ذك خللا في منصبه بل شرفا وعلى أنه لا يتعين الاستنجاء بالماء ولو كان حاضرا وعلى طلب الاقتداء بأفعاله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كأقواله، وعلى أن حكم فعله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم في حقنا كحكمه في حقه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم إن واجبا فواجب وإن مندوبا فمندوب وإن مباحا فمباح ما لم يقم دليل على الخصوصية، وعلى وجوب اتباع فعله حتى يدلّ دليل على عدم الوجوب وعلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم عبد مأمور وإن جلّ مقامه، وعلى أن سنته مأمور بها وإن لم تكن فرضا، وعلى أن أصل الأمر للوجوب فإنه علل عدم استعمال الماء بكونه لم يؤمر به فدلّ على أنه لو أمر به ما جاز له تركه، وعلى أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم كان يترك في بعض الأحيان ما هو أولى وأفضل تخفيفا على الأمة وأن الأمر مبنىّ على اليسر
(من روى الحديث أيضا) رواه أحمد والبيهقي وكذا ابن ماجة ولفظه عن عائشة قالت