والآية التي احتجا بها لا تنافي هذه الأحاديث لأنها ساكتة عن الطمأنينة والاعتدال. وهذه
الأحاديث ناطقة بهما (قال ابن دقيق العيد) قد تكرر من الفقهاء الاستدلال بهذا الحديث على
وجوب ما ذكر فيه وعلى عدم وجوب ما لم يذكر. فأما وجوب ما ذكر فيه فلتعلق الأمر به
وأما عدم وجوب غيره فليس ذلك بمجرد كون الأصل عدم الوجوب بل لأمر زائد على ذلك
وهو أن الموضع موضع تعليم وبيان للجاهل وتعريف لواجبات الصلاة وذلك يقتضى انحصار
الواجبات فيما ذكر. ويقوى مرتبة الحصر أنه صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم ذكر ما تعلقت
به الإساءة من هذا المصلى وما لم يتعلق به الإساءة من واجبات الصلاة وهذا يدل على أنه
لم يقصر المقصود على ما وقعت فيه الإساءة (فإذا تقرر هذا) فكل موضع اختلف الفقهاء
في وجوبه وكان مذكورا في هذا الحديث فلنا أن نتمسك به في وجوبه. وكل موضع اختلفوا
في وجوبه ولم يكن مذكورا في هذا الحديث فلنا أن نتمسلك به في عدم وجوبه. لكونه غير مذكور
في هذا الحديث على ما تقدم من كونه موضع تعليم وقد ظهرت قرينة مع ذلك على قصد ذكر
الواجبات إلا أن على طالب التحقيق أن يجمع طرق هذا الحديث ويحصى الأمور المذكورة فيه
ويأخذ بالزائد فالزائد فإن الأخذ بالزائد واجب. وإذا قام دليل على أحد الأمرين إما على
عدم الوجوب أو الوجوب فالواجب العمل به ما لم يعارضه ما هو أقوى منه اهـ كلام ابن دقيق
العيد (قال في الفتح) وقد جمعت طرقه القوية من رواية أبى هريرة ورفاعة وقد أمليت الزيادات التي
اشتملت عليها فمما لم يذكر فيه صريحا من الواجبات المتفق عليها النية والقعود الأخير. ومن
المختلف فيه التشهد الأخير والصلاة على النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم فيه والسلام
في آخر الصلاة اهـ. لكن ما لم يذكر في هذا الحديث من الواجبات محمول على أن الرجل كان
عالما بها
(قوله قال القعنبي عن سعيد بن أبى سعيد الخ) غرض المصنف بهذا بيان الاختلاف
الواقع بين حديثي القعنبى وابن المثى في السند والمتن. أما في السند فقال ابن المثنى عن سعيد بن أبي
سعيد عن أبيه عن أبى هريرة وقال القعنبي عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى عن أبي هريرة فزاد
لفظ المقبريّ ولم يقل عن أبيه، وأما الاختلاف في المتن فزاد القعنبي فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك الخ ولم يذكره ابن المثنى
(قوله وقال في آخره) أى قال القعنبى في روايته في آخر الحديث وما انتقصت من هذا فإنما انتقصته من صلاتك أى ما تركته مما ذكر فقد انتقصته من صلاتك. وترك شئ مما ذكر يؤدى إلى بطلان الصلاة لما علمت من أن جميعها فرائض عند الجمهور خلافا لمن قال إن ترك الطمأنينة والاعتدال والجلسة بين السجدتين غير مبطل للصلاة بل يؤدى إلى نقصان ثوابها فقط بدليل أن النبي صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم أطلق عليها صلاة بقوله فإنما انتقصته من صلاتك. وقد علمت أن المراد بها الصلاة المطلوب تأديتها